الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٠٢
وقاس بعضهم فاعل فعل قوم لوط على الزاني، ولم يقس واطئ البهيمة على الزاني، وكلاهما واطئ في مكان محرم.
ولم يقيسوا الغاصب على السارق ولا على المحارب، وكلاهما أخذ مالا بغير حق، والغاصب بالمحارب أشبه من اللوطي بالزاني لأن الدبر غير الفرج والغاصب والمحارب مستويان في الإخافة وأخذ المال، ولا سيما بعضهم يقول بقياس الشارب على القاذف، فقد بان تناقضهم.
فإن قالوا: إن الصحابة قاسوا الشارب على القاذف، فقد تقدم تكذيب هذه الدعوى لا سيما وقد كفانا بعضهم المؤنة في هذا، فنسوا أنفسهم وقالوا: الحدود لا تؤخذ قياسا، وقد علمنا أن كل ما جاز للصحابة فهو جائز لمن بعدهم، وما حدث دين جديد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وأين الائتساء بالصحابة رضوان الله عليهم حتى يتركوا النصوص لقول بعضهم إذا وافق تقليدهم؟ فيلزمهم أن يوجبوا حدا على شارب الدم وأكل الميتة ولحم الخنزير.
وقد قاس بعض الفقهاء هؤلاء على شارب الخمر، فرأى على كل واحد منهما ثمانين جلدة، وهو الأوزاعي، مع أن قياس شرب الدم على شرب الخمر، لو جاز القياس، أولى من قياس شرب الخمر على قذف محصنة.
ووجدنا بعضهم قد قاس من سرق أو شرب أو زنى ثم تاب واعترض على المحارب في سقوط الحد عنه.
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن، حدثنا أحمد بن دحيم، حدثنا إبراهيم بن حماد، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا نصر بن علي، ثنا محمد بن بكر - هو البرساني - عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: إذا سرق اللص ثم جاء تائبا فلا قطع عليه.
وبعضهم لم يقس هؤلاء على المحارب، وقاسهم على القاتل، والقاتل أبعد شبها من الحدود الواجبة من المحارب.
وقد قاس بعضهم القاتل إذا عفي عنه على الزاني غير المحصن، ولم يقس المرتد إذا راجع الاسلام، ولا المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه، أو إذا عفا الامام عن قتله، أو اقتصر على ما دون ذلك، وكل هذا تناقض.
وقد ساوى الله تعالى بين الخمر والميسر، والانصاب والأزلام، فهلا قاسوا
(١١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1097 1098 1099 1100 1101 1102 1103 1104 1105 1106 1107 ... » »»
الفهرست