الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١١٥
أهي فساد في الأرض أم ليست فسادا في الأرض إلا ما سمي فسادا في الأرض وليس هذا واقعا إلا على المحاربة فقط؟ ولا بد من أحد الجوابين.
فإن قالوا: الكبائر كلها فساد في الأرض، أريناهم شارب الخمر والسارق، والمرابي وآكل أموال اليتامى، والزاني غير المحصن، وآكل لحم الخنزير والدم والميتة، والغاصب والقاذف، مفسدين في الأرض ولا يحل قتلهم، بل من قتلهم قتل بهم قودا، فقد نقضوا قولهم إن حكم الآية المذكورة جار علينا، لان في نص تلك الآية إباحة قتل كل مفسد في الأرض.
فإن قالوا: ليس شئ من الكبائر فسادا في الأرض حاشا المحاربة. أريناهم الزاني المحصن يقتل، وليس مفسدا في الأرض، فانتفضت العلة التي ادعوها علة لان في الآية المذكورة ألا تقتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض، الزاني المحصن لم يقتل نفسا، ولا أفسد في الأرض، وهو يقتل ولا بد، ولا يكون قاتله كأنه قتل الناس جميعا.
فإن قالوا: إن زنى المحصن وحده ووطئ امرأة الأب، وردة المرتد، وشرب المحدود ثلاث مرات في الخمر مرة رابعة، فساد في الأرض وما عدا هذا فليس فسادا في الأرض كابروا وتحكموا بلا دليل، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الزاني وهو شيخ أو بامرأة جاره أو بامرأة المجاهد في سبيل الله أعظم جرما من سائر الزناة، وسواء كانوا محصنين أو غير محصنين، إلا أن غير المحصن على كل حال لا يقتل وإن كان أعظم جرما من المحصن في بعض الأحوال التي ذكرنا، والمحصن على كل حال يقتل، وإن كان غير المحصن أعظم جرما منه في بعض الأحوال التي ذكرنا.
وأيضا: فإن هذا القول الذي قالوه ناقض لأصولهم في العلل، وموجب أن لا يكون الشئ علة إلا حيث نص الله عز وجل على أنه علة لأنهم يقولون إن الكبيرة لا تكون فسادا إلا حيث نص على أنها فساد، وحيث أمر الله تعالى بقتل فاعلها، وبطل إجراؤهم العلة حيث وجدت، وهذا قولنا نفسه حاشا التسمية بعلة أو سبب، فإنا لا نطلقه، لان النص لم يأت به، وإذ ليس بيننا إلا التسمية فقط فقد ارتفع الخلاف إذ إنما تضايق في تصحيح المعنى المسمى أو إبطاله، ولا معنى
(١١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1110 1111 1112 1113 1114 1115 1116 1117 1118 1119 1120 ... » »»
الفهرست