الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١١٧
أن الله تعالى أراد فيما أفاء الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، من أهل القرى مما لو يوجف عليه بخيل ولا ركاب خاصة، ألا يكون دولة بين الأغنياء منهم فلا يتعدى بهذا الحكم هذا الموضع، وإلا حيث نص الله تعالى عليه أيضا في قسمة خمس الغنائم ولا مزيد، وهذا قولنا لا قولهم في إجراء العلل وبالله تعالى نتأيد واحتجوا بقوله تعالى: * (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) *.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لأنه لم يكن لاحد على الله تعالى قط حجة لا قبل الرسل ولا بعدهم، بل لله الحجة البالغة: * (لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون) * وقد أخبر تعالى أنه لم ينذر آباء هم وإن لم ينذروا فلا حجة لهم على الله عز وجل، ولكن الله تعالى أراد الاحسان إلى من آمن من المنذرين بالرسل، وأراد الاعذار إلى من لم يؤمن منهم، فهذا غرض الله عز وجل فيهم ومراده، وليس هذا علة وسنبين بعد انقضاء ذكر حجاجهم إن شاء الله تعالى فرق ما بين العلة والسبب والغرض، ببيان جلي لا يحيل على من له أدنى فهم وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا أيضا بقوله تعالى: * (كذلك جزيناهم ببغيهم) *.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه بل هي حجة عليهم لأنه تعالى نص على أنه جزى أولئك ببغيهم بأنواع العذاب المعجل في الدنيا من السخف والصيحة وعذاب الظلة والرجم وغير ذلك. فلو كان البغي علة في إيجاب الجزاء بذلك لكان ذلك واجبا أن يجزى به البغاة منا ومن غيرنا فلما رأينا كفار زماننا بغاة كأولئك، وفينا نحن أيضا أهل بغي كبغي أولئك نفسه ففينا تطفيف الميزان.
وفينا فعل قوم لوط، وفينا الكفر الصريح كما كان في أولئك في المؤمنين منا وفي الكافرين من الحربيين والكتابيين ولم نجاز ولا جوزوا بشئ بما جوزي به أولئك - علمنا أن البغي ليس علة للجزاء بما جوزي به أولئك، لان العلة مطردة في معلوماتها أبدا، لا تجوز أصلا، وصح أن البغي من أولئك كان سببا لجزائهم بما جوزوا به، وليس سببا في غيرهم، لان يجازوا بمثل ذلك، فصح قولنا إن الأسباب لا يتعدى بها المواضع التي نص الله تعالى ورسوله عليه السلام عليها، ولا يوجب في كل مكان الحكم الذي وجب من أجلها في بعض
(١١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1112 1113 1114 1115 1116 1117 1118 1119 1120 1121 1122 ... » »»
الفهرست