الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٠٨
في أكثرها، فإن كان القياس حقا فقد أخطأوا بتركه وهم يعلمونه، وإن كان باطلا فقد أخطأوا باستعماله، فهم في خطأ متيقن إلا في القليل من أقوالهم.
وقال بعضهم: لا نقيس على شاذ.
قال أبو محمد: وهذا تحكم فاسد، لأنه ليس شئ في الشريعة شاذا، تعالى الله أن يلزمنا الشواذ، بل كل ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حق، والحق لا يكون شاذا، وإنما الشاذ الباطل.
وقال بعضهم: لا نقيس على فرع.
قال أبو محمد: وهذا كالأول، ولا فرع في الشريعة، وكل ما جاء نصا أو إجماعا فهو أصل، فأين ههنا فرع؟ لو أنصف القوم أنفسهم؟.
وقال بعضهم: الحدود والكفارات لا تؤخذ قياسا.
قال أبو محمد: وما الفرق بينهم وبين من قال بل العبادات وأحكام الفروج لا تؤخذ قياسا، وكل من فرق بين شئ من أحكام الله تعالى فهو مخطئ، بل الدين كله لا يحل أن يحكم في شئ منه بقياس، على أنهم قد تناقضوا وقاسوا في البابين، وأوجبوا حد اللوطي قياسا، وأوجبوا كفارات كثيرة قياسا، والقوم متناقضون تناقضا يشبه اللعب والهزل: أعوذ بالله مما امتحنوا به.
فإن قال قائل: وأنتم قد تركتم حديثا كثيرا.
قلنا لهم: وبالله تعالى التوفيق: كذبتم وأفكتم، ولا يوجد ذلك من أحد منا أبدا إلا أربعة أوجه لا خامس لها:
إما لقيام البرهان على نسخه أو تخصيصه بنص آخر، وهذا لا يحل لاحد.
وإما أنه لم يبلغ إلى الذي لم يقل به منا، وهذا عذر ظاهر و * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
وإما أن بعضنا يرى ترك كل ما رواه المدلس إلا ما قال فيه حدثنا أو أنبأنا وهذا خطأ، وبعضنا يرى قبول جميع روايته إذا لم يدلس المنكرات إلى الثقات، إلا ما صح فيه تدليسه، وبهذا نقول وعلى كل ما ذكرنا البرهان، والبرهان لا يتعارض، والحق لا يعارضه حق آخر.
وإما أن بعضنا يرى ترك الحديثين المتعارضين، لأنه لم يصح عنده الناسخ،
(١١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1103 1104 1105 1106 1107 1108 1109 1110 1111 1112 1113 ... » »»
الفهرست