الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٢٤
وأيضا: فليس قول من قال: إن الخيل مشتقة من الخيلاء، أولى بالقبول من قول من قال: إن الخيلاء مشتقة من الخيل، وكلا القولين دعوى فاسدة زائفة لا دليل على صحتها، في البرهان الضروري قد قام على بطلانها، لأنه لم توجد قط الخيلاء إلا والخيل موجودة، ولا وجدت الخيل إلا والخيلاء موجودة ولم يوجد قط أحدهما قبل الآخر، فبطل قولهم، وبالله تعالى نتأيد.
ولو كان ما قالوا لكانت الأسد أولى أن تسمى خيلا، لأنهم أكثر خيلاء من الخيل، ولكانت النسور أولى أن تسمى بزاة من الصقور، لأنها أشد ارتفاعا منها، وإلا فما الذي جعل القوارير أولى بهذا الاسم من الرمان والعتائد والادراج والقلال.
وقد عارضت بهذا وشبهه أذكر من لقينا من شيوخنا في اللغة وهو أبو عبيدة حسان بن مالك رحمه الله فما وجدت عنده مدفعا ولا اعتراضا وكان رحمه الله النهاية في علم اللغة، مع تحريه فيما يورده منها وتثبته وشدة إنصافه.
وقالوا: لما وجدنا العصير حلو لا يسمى خمرا وهو حلال، ثم حدثت فيه الشدة فسمي خمرا فحرم، ثم ارتفعت الشدة فلم يسم خمرا، لكن سمي خلا، علمنا أن العلة المحرمة، والتي حرم من أجلها، والتي من أجلها سمي خمرا، هي الشدة.
قال أبو محمد: هذا كلام فاسد في غاية الفساد.
فأول ذلك أن يقال لهم: في أي عقل وجدتم أن كون الشدة فيه أوجبت أن يسمى بالخاء والميم والراء؟ ولكن لا بد لكل عين فيها صفات مخالفة لصفات عين أخرى أن يوقع على كل واحد منها اسم غير اسم العين الأخرى، ليقع التفاهم فيها بين المخاطبين، فعلق على ما فيه الشدة اسم ما، وعلى ما لا شدة فيه اسم آخر، لا لشئ إلا ليفهم الناس مراد من كلمهم وخاطبهم، وكذلك موجود في العالم، إلا ما ضاقت اللغة عن تسميته، أو عجز أهلها عن ذلك، أو لم يرد الله تعالى أن يكون له في هذه اللغة اسم.
(١١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1119 1120 1121 1122 1123 1124 1125 1126 1127 1128 1129 ... » »»
الفهرست