قال أبو محمد: وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، ثنا إبراهيم بن أحمد، ثنا الفربري، ثنا البخاري، ثنا عبد الله بن الصباح، ثنا أبو علي الحنفي، ثنا قرة بن خالد قال انتظرنا الحسن فجاء فقال: دعانا جيراننا هؤلاء، ثم قال: قال أنس بن مالك نظرنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى إذا كان شطر الليل يبلغه جاء فصلى لنا ثم خطبنا فقال: ألا إن الناس قد صلوا رقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة.
قال أبو محمد: فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسباب التي يختار لها تأخير العتمة انتظار الصلاة، فيكون المنتظر لها في صلاة ما انتظرها، ولم يكن هذا علة عند القائلين بالعلل في اختيار تأخير العصر والمغرب، فإذا كان ما نص النبي صلى الله عليه وسلم عندهم ليس علة يبنى عليها، فالتي ولدوها بآرائهم الكاذبة أولى أن لا يبنى عليها.
وقد تعدى بعضهم ممن لم يتق الله عز وجل إلى أطم من هذا. فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالامر ويقول بالقول مما لا يجوز، لكن لعلة شئ آخر أراده.
قال: وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم ذكر أن يحرق بيوت المتخلفين عن الصلوات في الجماعات فقالوا هذا لا يجوز، وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تغليظا، لا أنه أراد ذلك.
وقالوا: إن أمره صلى الله عليه وسلم بغسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا ليس على إيجاب ذلك، وإنما فعله ليزدجر الناس عن اتخاذها، لأنها كانت تؤذي المهاجرين.
قالوا: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للذي دخل المسجد بهيئة بذة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال: قم فاركع ركعتين قالوا: والركوع حينئذ لا يجوز، وإنما أمره بذلك ليفطن له الناس فيتصدقوا عليه.
وقالوا: من ذلك أيضا أمره صلى الله عليه وسلم بفسح الحج، إنما أمر به، وهو لا يجوز، ليريهم جواز العمرة في أشهر الحج ولهم من هذا التخليط المهلك كثير.
قال أبو محمد: وقائل هذا لولا أنه يعذر بشدة ظلمة الجهل، وضعف العقل لما كان أحد أحق بالتفكير منه، وبضرب العنق وباستيفاء المال، لأنهم ينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأمر بالباطل وبما لا يجوز، ويصفونه بالكذب.