الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١١٨
الأمكنة، وسقط قولهم سقوطا لا إشكال فيه. والحمد لله رب العالمين.
وهذا قد ظهر كما ترى في الأسباب الصحيحة، فما الظن بالأسباب الكاذبة التي يدعونها في الاحكام، ويضعونها وضعا مختلفا متخاذلا بلا برهان، إلا المجاهرة بالقربة، وما لا يصح بوجه من الوجوه؟ وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا أيضا بقول الله تعالى: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار) * الآيات إلى قوله: * (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله) * إلى قوله (شديد العقاب).
قال أبو محمد: وهذه حجة عليهم لا لهم، لان المحاربين فيما بيننا وأهل الالحاد منا فهم مشاقون لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب منا، كذلك وهم يخربون بيوتهم بأيديهم وبأيدي المؤمنين، ولا يهدمون بل يبنونها فصح يقينا أن المشاقة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليست علة لخراب البيت وأصلا، ولا سببا في خراب بيوت المشاقين ما عدا أولئك الذين نص الله تعالى على أنه عاقبهم بإخرابهم بيوتهم من أجل مشاقهم، وهذا هو نفس قولنا: إن الشئ إذا نص الله تعالى عليه بلفظ يدل على أنه سبب لحكم ما في مكان ما، فلا يكون سببا البتة في غير ذلك الموضع لمثل ذلك الحكم أصلا. وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا بقوله تعالى: * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * قالوا: فكانت هذه عللا في وجوب تحريمها، أو الانتهاء عنها، قال أبو محمد: وهذه حجة عليهم لا لهم من وجوه أحدها: أن كسب المال والجاه في الدنيا أصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وأوقع العداوة والبغضاء فيما بيننا من الخمر والميسر وليس ذلك محرما إذا بغى على وجهه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بنص قولنا إذ قال صلى الله عليه وسلم: والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوا فيها فتهلككم كما أهلكت من كان من قبلكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم مما هذا حقيقة معناه فلا يظن جاهل أننا نقول شيئا من عند أنفسنا أو برأينا أو بغير ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضا فالميسر ما عهد منه قبل أن يحرم إيقاع عداوة بذاته ولا فقد عقل،
(١١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1113 1114 1115 1116 1117 1118 1119 1120 1121 1122 1123 ... » »»
الفهرست