هناك ان الموجب للعقاب هو القبح الفعلي مع كونه محرزا عند الفاعل ومن المعلوم ان عدم المصادفة الواقعية توجب عدم تحقق القبيح من المكلف لا انها توجب ارتفاع القبح عما هو متصف به في حد نفسه وكم فرق بين كون الامر الغير الاختياري رافعا للقبح وكونه مانعا عن تحقق القبيح خارجا وما أنكرناه في المقام هو الأول دون الثاني (واما الدعوى) الثالثة فيرد عليها انا إذا بنينا على استحقاق المتجري للعقاب بملاك استحقاق العاصي له فليس في مورد العصيان الا ملاك واحد للعقاب فأين عقابان حتى يتداخلان وإذا بنينا على استحقاق المتجري له بملاك اخر يحض به في قبال ملاك استحقاق العاصي له فكيف يمكن فرض المصادفة في صورة التجري حتى يكون هناك ملاكان لاستحقاق العقاب فيلتزم بتداخلهما وكيف كان فلا نعقل معنى محصلا لتداخل العقابين في فرض المصادفة الا ان يريد من المصادفة مورد التجرد لحرام آخر كما إذا قطع المتجري بخمرية مايع فشربه فظهر كونه مغصوبا وحينئذ فان بنينا على جواز العقاب على جنس الحرام المعلوم وإن كان المكلف مخطئا في فصله كما هو المختار عندنا على ما سيجئ تفصيله في بحث الاشتغال أو بنينا على جواز العقاب على نفس الحرام الواقعي وهو الغصب في الفرض المزبور بعد معلومية حرمة الفعل الخارجي ولو بعنوان آخر فلا محالة يتحقق المعصية بالإضافة إلى جنس الحرام المعلوم أو بالإضافة إلى الحرام الواقعي ويتحقق التجري بالإضافة إلى خصوصية الخمر المعلوم للمكلف فيجتمع المعصية والتجري في محل واحد باعتبارين واما إذا بنينا على عدم صحة العقاب على جنس الحرام المعلوم ولا على الفرد الواقع الموجود في ظرف القطع بفرد آخر خطأ لما اجتمع المعصية والتجري حتى في الفرض المزبور (الأمر الثاني) في تحقيق قاعدة الملازمة وما ذهب إليه الأخباريون من عدم اعتبار الدليل العقلي في الأحكام الشرعية وهذه المسألة وان وقع فيها ما وقع من الاضراب وكثرة النقض والابرام في كلماتهم الا انه لا حاجة لنا إلى ذكرها وتمييز الصحيح منها من سقيمها فان روح المراد وحقيقة المطلب انما تتضح بالبحث عن جهات أربع (الجهة الأولى) في بيان ان الأحكام الشرعية هل هي تابعة للمصالح والمفاسد أم لا والمخالف في هذه المسألة هم الأشعرية ولهم في ذلك قولان (الأول) ان الاحكام بأجمعها جزافية والشارع له ان يأمر بكل ما يريد وينهي عن كل ما يريد وليس هناك مصلحة ومفسدة أصلا وهذه الطائفة أنكروا وجود الحسن والقبح بالكلية والتزموا بعدم قبح الترجيح بلا مرجح ولا ريب ان هذا القول مناف لضرورة العقل والوجدان لكن
(٣٦)