عما سيجئ في باب التعادل والترجيح من أن المصلحة السلوكية لا تترتب إلا على ما كان متصفا بالطريقية الفعلية فلا تكون متحققة في مورد التعارض أصلا لا يمكن الالتزام بها في الأصول اما غير التنزيلية منها فواضح لعدم فرض الطريقية فيها كما هو ظاهر واما التنزيلية فلانها وإن كانت محرزة للواقع باعتبار المرتبة الثانية من المرتبة الثالثة من العلم الطريقي إلا أن الاحراز العملي أجنبي عن الطريقية بالكلية ولا فرق بين الأصل التنزيلي وغيره في كون كل منهما أصلا عمليا غير ملحوظ فيه الطريقية (هذا) بالنسبة إلى السببية الغير المستلزمة للتصويب واما السببية المستلزمة له فهي باطلة من أصلها كما أوضحنا الحال فيها في بحث الاجزاء فراجع (الثالث) هو الفرض الثاني بعينه الا ان التخيير هنا مستفاد من ذلك الدليل الدال على ثبوت الحكم التعييني بالنظر إلى الكاشف دون المنكشف وذلك كما إذا ورد أكرم العلماء فدل على وجوب اكرام كل فرد من العلماء في تمام الأحول ثم ورد دليل على التخصيص فأخرج منه فردين زيد وعمرو ولكن كان مجملا ومرددا بين أن يكون الخروج على الاطلاق حتى يكون التخصيص افراديا وبين أن يكون احواليا وفي بعض الأحوال بأن يكون الخارج هو زيد في حال اكرام عمرو وبالعكس لا مطلقا فالقدر المتيقن هو الثاني والالتزام بعدم التخصيص إلا بذلك المقدار فعند عدم اكرام زيد مثلا يشك في وجوب اكرام عمرو فيتمسك بالعموم وكذلك العكس فيثبت من ذلك وجوب اكرام كل منهما مخيرا إذ هو المتحصل من ضم الاخذ بالمقدار المتيقن من المخصص إلى العموم المفروض وهذا الوجه غير منطبق على محل الكلام أيضا فان غاية ما يمكن أن يقال في توجيهه هو ان يقال إن دليل الأصل يقتضي ثبوت الرخصة في كل من أطراف العلم ومقتضي اطلاقه هو ثبوت الرخصة مطلقا اي حال ارتكاب الاخر وعدمه وحيث إن هذا الاطلاق لا يمكن الاخذ به لاستلزامه تجويز المخالفة القطعية فلا بد من رفع اليد عنه بهذا المقدار فيكون النتيجة هو جواز الارتكاب في كل من الطرفين تخييرا فإن الامر دائر بين خروج كل واحد من الأطراف عن دليل الأصل بالكلية وبين خروجه عنه عند ارتكاب الآخر والقدر المتيقن هو الثاني فلا موجب للأول (وفيه) ان عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي ليس مستندا إلى دليل مخصوص لعموم دليله مردد بين كونه مخصصا مطلقا أو في بعض الأحوال حتى يندرج في الضابط المذكور بل انما هو من جهة المحذور العقلي وعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي في عالم الثبوت فإذا لم يمكن الجعل ثبوتا لا ينتهي
(٢٤٤)