عن الذوق السليم، ومخالف لما ذكره علماء العربية في تعريف المجاز بأنه الكلمة المستعملة في غير ما وضع له، ففي الحقيقة هذا القول يرجع إلى إنكار المجاز. مضافا إلى أنا نرى بالوجدان والعيان عدم اختصاص استعمال اللفظ فيما يناسبه بلغة دون لغة، فنرى كل أمة تستعمل اللفظ الموضوع - في لغتهم - للحيوان المفترس في الرجل الشجاع.
ومن المستبعد جدا اتفاق الواضعين من أي أمة في هذا الوضع النوعي.
والتحقيق في هذا المقام - بناء على ما اخترناه في حقيقة الوضع من أنه عبارة عن الهوهوية والاتحاد الاعتباري بين اللفظ والمعنى، وإلا لم يكن إلقاؤه إلقاء المعنى ولا وجوده وجودا لفظيا للمعنى، ولم يكن حمله على المعنى بدون عناية وتقدير ممكنا مع أنه بمكان من الامكان كما في قولك - مشيرا إلى الجسم السيال - هذا ماء، أو مشيرا إلى الهيكل الخارجي: هذا زيد. وتقدير لفظ المسمى في جانب المحمول خلاف الوجدان والمرتكز في الأذهان. - هو ما أن يقال بأن المعاني المجازية كلها - سواء أكانت من قبيل الاستعارة أم من قبيل المجاز المرسل بادعاء من طرف المستعمل - من أفراد ما وضع له كما يقول السكاكي في خصوص الاستعارة، فحينئذ ما استعمل اللفظ إلا في ما وضع له، غاية الامر أن المستعمل أراد غير ما وضع له من اللفظ بادعاء أنه من مصاديق ما وضع له، فالاستعمال الحقيقي - بناء على هذا - يرجع إلى ادعاء أن اللفظ عين المعنى الموضوع له و الاستعمال المجازي يرجع إلى ادعاء أن هذا المعنى المجازي عين المعنى الموضوع له. والادعاء في الأول من طرف الواضع ويتبعه في ذلك المستعمل، وفي الثاني من طرف المستعمل ابتداء.
واما أن يقال: إن المستعمل - لشدة المناسبة بين المعنى الموضوع له وهذا المعنى المجازي - يستعير اللفظ الموضوع لذلك المعنى الحقيقي لهذا المعنى المجازي.
وتسميتهم خصوص ما كانت العلاقة فيه المشابهة بالاستعارة مجرد اصطلاح، والا فكلها استعارة. وعلى كل حال فالواضع أجنبي في هذا المقام، فلا يبقى مجال لا لترخيصه ولا لوضعه النوعي. و استعمال اللفظ في نوعه أو صنفه من هذا القبيل، لان مثل