منتهى الأصول - حسن بن على أصغر الموسوي البجنوردي - ج ١ - الصفحة ٢٢
وانما هي نعوت وصفات لغيرها ووجوداتها في أنفسها عين وجوداتها لموضوعاتها، كذلك هناك مفاهيم لا يمكن ان توجد في الذهن مستقلة وفي غير موضوع، وانما هي حالات لمفاهيم أخرى وذلك كمفاهيم الحروف حيث أنها لا يمكن ان توجد في الذهن إلا حالة لمدخولاتها، فمفهوم (من) مثلا ليس هو في الذهن طبيعة الابتداء - التي يمكن أن يخبر عنها، وتلاحظ مستقلة - بل الابتداء الذي هو حالة للبصرة أو غيرها من مدخولات هذه الكلمة. ولذلك لا يمكن أن يخبر عنه ولا به عن شئ. هذا هو المراد من قولهم: ان الحرف ما دل على معنى في غيره. وبعبارة أخرى المعنى الحرفي من قبيل الوجود الرابطي لا الوجود النفسي ولا الرابط كما اصطلح عليه بعض المحققين.
والحاصل أن الاعراض الخارجية - التي وجودها في الخارج تبع لوجود الغير ولا استقلال لها، وإنما هي نعوت وأوصاف لغيرها - يمكن ان تلاحظ في الأذهان مستقلة من دون نظر إلى موضوعاتها، و يمكن أن تلاحظ في الذهن على نحو وجودها في الخارج نعتا و حالة لمفهوم آخر. والمعنى الحرفي من قبيل الثاني. والجواب عن هذا الوجه هو ما أجبنا به عن الوجه الثاني وهو أن معاني الحروف من سنخ وجود الرابط والنسب لا الوجود الرابطي والاعراض. وبعبارة أخرى لو كان من سنخ الاعراض لما كان محتاجا الا إلى طرف واحد لا إلى الطرفين. والوجدان يحكم باحتياجهما إلى الطرفين، كما سنبينه في القول الآتي.
(الرابع) - أن المعنى الحرفي من سنخ النسب والارتباطات القائمة بالطرفين، فيكون معنى (من) مثلا نسبة الابتدائية بين السير والبصرة (بيان ذلك) أن مفهوم السير لا يحكي إلا عن ذلك الحدث المعين الصادر عن السائر، ومفهوم البصرة لا يحكي إلا عن ذلك البلد المعين، و هكذا مفهوم الكوفة. ولكن قولك سرت من البصرة إلى الكوفة يدل على شيئين آخرين.] 1 [غير تلك الحكايات الثلاث: وهي النسبة ] 1 [بل هذه الجملة تدل على أربع حكايات والرابع حكاية التاء في سرت عن فاعل هذا الحدث، كما أن هيئة سرت تدل على النسبة الصدورية بين الفاعل أعني التاء في سرت والسير (منه).
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»