عن الوجه الأول - لا تتصور غير مرتبطة بعضها ببعض، بل المتكلم حين ما يريد إلقاء جملة على الطرف لا بد وأن يتصور مفاد تلك الجملة أولا، ثم ينشئ الألفاظ على طبق تلك الجملة الذهنية. ولا شك في أن الجملة الذهنية لا تتحقق الا بوجود رابط بين اجزائها الذهنية، نعم كما أن الربط الخارجي بين الاعراض الخارجية وموضوعاتها قائم بالطرفين ولا استقلال لها في الخارج، كذلك الربط الذهني قائم بالطرفين ولا استقلال له في الذهن. وحينئذ فألفاظ الجملة - ما عدا الحروف - تدل على تلك المفاهيم الذهنية المستقلة، والحروف و الهيئات تدل على تلك النسب والارتباطات غير المستقلة القائمة بأطرافها، والا فلو تصورنا مفاهيم متعددة غير مرتبطة، كأن تصورنا مفهوم زيد وحده، وتصورنا مفهوم قائم وحده، فكيف يمكن أن نوجد بينهما ارتباطا بواسطة الهيئات أو الحروف، لان الواقع لا ينقلب عما هو عليه، مثلا لو فرضنا أن زيدا في الخارج وجد بلا قيام، والقيام وجد بلا ارتباط بينه وبين زيد، فهل يعقل جعل ارتباط في الخارج بين شيئين موجودين لا ارتباط بينهما؟ وكذلك في وعاء الذهن إذا وجد مفهومان غير مرتبطين لا يمكن جعل الارتباط بينهما بلا آلة ولا مع الآلة.
وبعبارة أخرى قد جعل الله تبارك وتعالى للانسان قدرة تكوينية على إيجاد المعاني والمفاهيم في الذهن منفردة ومتعددة، و المتعددة غير مرتبطة بعضها ببعض.
ومرتبطة بلا احتياج إلى آلة في إيجادها على تلك الكيفية، فالوضع لهذا الغرض لغو. نعم الاحتياج إلى الوضع من ناحية إبراز هذه المعاني المتصورة وإلقائها إلى المخاطب في مقام التفهيم والتفهم. و حيث أن إلقاء تلك المعاني والمفاهيم الموجودة في الأذهان بأعيانها غير معقول، لأنها متقومة بالذهن، بل من شؤونها وأطوارها، فلا بد من إلقاء شئ آخر يمكن إلقاؤه إلى المخاطب، بحيث يكون إلقاء ذلك الشئ الاخر إلقاء له. وذلك لا يمكن الا بأن تكون بينهما هوهوية ولو جعلية اعتبارية.
ولذلك قلنا: إن حقيقة الوضع هي الهوهوية الاعتبارية، فإذا أوجدت النفس