(هو عبارة عن جعل اللفظ علامة على إرادة المعنى الفلاني).
والتحقيق في المقام أن الوضع عبارة عن الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى في عالم الاعتبار. ومثل هذه الهوهوية والاتحاد الاعتباري يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار بالجعل والانشاء (تارة) و بكثرة الاستعمال (أخرى) وبهذا الاعتبار صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني.
(إن قلت): إن الاتحاد والهوهوية إذا لم يكن بين شيئين بحسب الواقع، بل كان كل واحد منهما أجنبيا عن الاخر - كما هو الحال بين اللفظ والمعنى قبل الوضع - فكيف يمكن إيجاده بمحض الجعل والانشاء، أو بصرف كثرة الاستعمال بلا قرينة؟ (قلت): الاتحاد والهوهوية على قسمين: تكوينية واعتبارية، أما الاتحاد التكويني والهوهوية الواقعية فلا يمكن أن توجد بصرف الانشاء والتشريع. وأما الاعتبارية فلا مانع من إيجادها في عالم الاعتبار بصرف الانشاء و الجعل التشريعي. وإلى هذا ترجع توسعة الموضوع في الحكومة الواقعية - كقوله عليه السلام: (الطواف بالبيت صلاة) - وقد قال شيخ مشايخ أساتيذنا في فرائده بمثل ذلك في كيفية حجية الامارات بأن المجعول فيها هو الهوهوية، بمعنى ان المجعول فيها هو أن المؤدى هو الواقع. وأيضا قال شيخنا الأستاذ بمثل ذلك في أصالة الحل.
والحاصل أن حال الهوهوية الاعتبارية حال سائر الاعتباريات في أن إيجادها بإنشائها بمكان من الامكان. وأما الدليل على أن الوضع بهذا المعنى لا بالمعاني الذي ذكروها، (فأولا) - أنه لا شك في أن إلقاء اللفظ إلقاء المعنى عند إلقاء المراد إلى الطرف. ومعلوم أن إلقاء شئ ليس إلقاء شئ آخر الا فيما إذا كانت بينهما هوهوية واتحاد، و إلا فبصرف تعهد الواضع - ان لا يستعمل إلا هذا اللفظ عند إرادة المعنى الفلاني أو جعله علامة له، أو بصرف جعل علاقة وارتباط بينهما - لا يكون إلقاء أحدهما إلقاء للآخر. و (ثانيا) - قد تقرر عندهم ان لكل شئ أربعة أنحاء من الوجودات، وعدوا من جملتها الوجود اللفظي، فلو لم يكن ذلك الاتحاد كيف يمكن أن يكون وجود شئ أجنبي عن شئ آخر وجودا له،