ثم انه بعد ما تبين لك ما ذكرناه تعلم أن البحث - في أن تمايز العلوم هل هو بتمايز الموضوعات أو بتمايز الأغراض - لا وجه له أصلا.
اما في القسم الأول فقد قلنا إنه لا محالة يكون بتمايز الموضوعات ولا غرض في البين الا معرفة حالات الموضوع حتى يكون التمايز به، كما أنه في القسم الثاني لا موضوع في البين حتى يكون التمايز به. ولا محالة يكون التمايز بتمايز الأغراض، فقد تحقق أن موضوع علم الأصول ليس الا موضوعات مسائله لا خصوص الأدلة الأربعة لا بذواتها ولا بوصف دليليتها، فلا وجه للنقض والابرام في هذا المقام، و الاشكال بان المسألة الفلانية داخلة أو خارجة.
تتميم قسموا المبادئ إلى تصورية وتصديقية، والتصورية منها عبارة عن حدود موضوعات المسائل واجزائها وجزئياتها وحدود المحمولات ومعرفتها.
والتصديقية منها عبارة عن القضايا التي يستدل بها على ثبوت المحمولات للموضوعات، وهي إما بديهية - وتسمى بالعلوم المتعارفة - وإما نظرية، فان أذعن المتعلم بها بحسن الظن بالمعلم تسمى بالأصول الموضوعة، وإن لم يذعن بها وأخذها مع الاستنكار تسمى بالمصادرات. وهذه كلها اصطلاحات ذكرها القوم. وزادوا في علم الأصول قسما آخر من المبادئ وسموها بالمبادئ الأحكامية. و المراد منها معرفة حالات الأحكام الشرعية من تقسيمها إلى الوضعية والتكليفية، وأن الأحكام التكليفية متضادة بأسرها، وأن الأحكام الوضعية هل هي منتزعة عن التكليفية أو مستقلة في الجعل، وغير ذلك من حالاتها وعوارضها. وقد ذكروا ذلك في علم الأصول بالمناسبات، فقد تبين مما ذكرناه أربعة من الأمور المعروفة بالرؤوس الثمانية، وهي مرتبة العلم، وتعريفه، وغايته، وموضوعه.