فيكون هذا من قبيل الواجبات المشروطة، ومن المعلوم أن شأن الوجوب المشروط عدم حكم العقل بوجوب تحصيل الموضوع عند عدمه بل يحكم بالوجوب عند تحقق الموضوع في الخارج من باب الاتفاق، ولازمه الاخر عدم فعلية الوجوب عند عدم وجود الموضوع لان الوجوب منوط بوجود الموضوع على الفرض، فلا يصير فعليا ما لم يتحقق موضوعه، فهو وإن كان موطن انشائه متقدما على الموضوع زمانا إلا إنه لا فعلية له إلا حين فعلية موضوعه، فحاله من هذه الجهة مشابهة للتمليك بالوصية، فإن الملكية فيها منوطة بتحقق الموت فقبله لا وجود للملكية بالفعل بل كانت ملكية شأنية تقديرية، يعني لو وجد الموت وجدت الملكية الفعلية، فلو كان وجوب الوضوء من هذا القبيل صح أن يقال لو وجد الماء من باب الاتفاق لوجب الوضوء بالفعل، وإلا فيجب شأنا وتقديرا كما هو شأن القضايا الحقيقية التي يدور فيها فرضية الحكم مدار فرضية الموضوع وفعليته مدار فعليته، ولا يتوهم إن هذا النحو من الوجوب لا ينفك عن المحركية ويكون علة تامة لها، فهو مع تقديريته حكم يترتب عليه الأثر فيصح استصحابه عند الشك في بقائه، فإنه يندفع بأن الوجوب الذي لا ينفك عن المحركية هو ما كان واقعا في رتبة فعلية موضوعه وما أنيط به، ضرورة إن وجوب الحج على المستطيع لا محركيته له إلى الحج أصلا بالنسبة إلى واجد الشرط، وبالجملة لو كان الوجوب منوطا بوجود الموضوع ومجعولا بالانشاء نظير الملكية وأمثالها، فحينئذ قد ينفك عن المحركية وقد لا ينفك، فإذا صار وجود الموضوع فعليا يصير الحكم فعليا ومحركا إلى المتعلق وإلا يبقى في مقام الاقتضاء، (وثالث) الوجوه أن يكون الوجوب المنوط بوجود الموضوع منوطا بشئ آخر أيضا، مثل إناطة الحرمة والنجاسة بالغليان زائدا على وجود العصير، فتكون حينئذ قضيتان تعليقيتان طوليتان، فالنجاسة والحرمة في المقام منوطة بشيئين (أحدهما) وجود الموضوع أي العصير، (والاخر) وجود الغليان، والفرق بين الصورة المتقدمة وهذه الصورة بعد كونهما شريكتين في عدم فعلية الوجوب عند عدم فعلية المنوط به، هو إن في الصورة الأولى بعد وجود الموضوع لا يصير فعليا، وفى الثانية بعد وجود الموضوع لا يصير فعليا أيضا، بل فعليته منوطة بوجود
(٣٣٨)