بأسبابها حين التسبب بها إليها، بخلاف التكليفية فإن المراد من الجعلية هنا ليس إلا إبراز الإرادة ويتعقبه حكم العقل بالحركة والامتثال وينتزع منه هذه العناوين أي الوجوب واللزوم والبعث، ومع ذلك لا نحتاج إلى الجعل المتعلق بهذه العناوين، وملخص الكلام إنه إما لا إناطة للحكم ولا تعليق له بشئ من وجود الموضوع ومتعلق متعلقه وغيره، وإما أن يناط بوجود متعلق المتعلق ولا تعليق له بغيره، وإما إنه متعلق على غير وجود الموضوع أيضا، فالأول مطلق يقتضي إيجاد موضوعه والبعث على تحصيله مقدمة للامتثال، نظير أمر الطبيب بشرب الدواء أو استعمال معجون خاص، فيكون الحكم في الصورة فعليا حتى في صورة عدم وجود الدواء والمعجون، ولو شك في بقائه لاحتمال نسخ أو دخالة شئ قد انتفى بعد ثبوته، فالظاهر إنه لا بأس باستصحابه، لكن لا يخفى إن هذا القسم من الحكم ليس مما يوجد فيه شأن القضية الحقيقة، فإن شأنها فرضية الحكم بفرضية الافراد وفعليته بفعليتها، فلا تكون فعلية على التقديرين كما في الفرض، وعلى هذا فلا بد من إخراج هذا القسم عن تحت دعوى كون الأحكام الشرعية من القضايا الحقيقة مطلقا، وأما في الصورة المتصورة للتعليق فلا فعلية للحكم قبل حصول المعلق عليه من وجود الموضوع، أو غيره أو كليهما، إذ لا يجب امتثاله بحكم العقل حينئذ، ولو كان فعليا لترتب عليه أثره ولوجب امتثاله، فالحكم وإن كان من الأمور الاعتبارية الحاصلة بالانشاء والجعل إلا إنه ما لم يوجد الموضوع لا يصح اعتبار وجوده ولا يصير شاغلا لصفحة الوجود، وعلى هذا فلو أريد استصحاب التعليق الذي هو أيضا مما أمر وضعه ورفعه بيد الشارع فلا وجه، إلا إنه لا ينبغي الفرق بين كون التعليق تقديرا في تقدير وبين عدم كونه كذلك، بأن يكون الحكم معلقا على وجود الموضوع بتمامه أو بقيده أو جزئه فيمنع عن استصحاب الأول دون سائر الصور، ولو أريد استصحاب نفس الحكم المعلق فللمنع عنه مجال، إذ المفروض انتفاء الفعلية عن المجعول فلا وجه للحكم الفعلي حتى يجوز حتى استصحابه بعد العلم والشك، وأما العلم بالانشاء فلا يوجب علما بفعلية المنشأ فيما إذا كان منوطا بأمر غير حاصل، ولهذا لا يحكم بالملكية الفعلية بمجرد إنشاء الوصية وإيجاد سبب الملك بعد الممات، فظهر إن شأن القضية الحقيقية
(٣٣٦)