يتصور وجه آخر لتوصيف جميع الأحكام بالجعلية، وهو كونها بأجمعها مستندة إلى الجعل التكويني بمباديها القريبة كالبعيدة، فإن إبراز الإرادة وإنشاء الملكية جعلية كالوجوب والملك بهذا الاعتبار، فتحصل إن الأحكام التكليفية منسوبة إلى الجعل بمعنى مشترك بينها وبين الوضعية، وأما بعض الأحكام الوضعية فهي موصوف بالجعلية بالمعنى الاخر أيضا، هذا بالنسبة إلى جميع التكليفيات، وأما الأحكام الوضعية فقد تقدم إنها على قسمين (أحدهما) ما يعبر بالتعليقية كالشرطية والسببية والجزئية والمانعية وغيرها، والاخر كالحرية والرقية والملكية والحق والوكالة والولاية وأمثالها، أما الأول فلا يخفى إنه لا يعقل جعل شئ من هذه المذكورات بالأصالة والاستقلال، فإن شرط الواجب ما كان لتقييده دخل في الإرادة، فنفس ذاته وإن كانت خارجة عن تحتها لكن تقييده واقعة تحت الإرادة، فإذا كانت الإرادة متعلقة بالمقيد بشئ بما إنه كذلك يصح انتزاع الشرطية لذلك الشئ، قصد حصولها أم لم يقصد، رضى المريد بذلك أم سخط، وإذا لم تكن الإرادة منبسطة على التقييد فلا مصحح لانتزاع الشرطية حتى مع قول المريد إنه شرط للمراد من دون قصده إلى إفادة تقييده بهذا اللسان، فالشرطية للواجب منتزعة عن أمر كان تقيده دخيلا في المراد ومتأخرا عن الطلب، وكذا جزء الواجب فإن اعتبار الجزئية للأمور المتكثرة تابع للوحدة الاعتبارية الطارية عليها، أما من قبل الاسم كالصلاة مثلا أو من قبل الأثر والمصلحة أو من قبل الحكم والوجوب مثلا، ففي المقام وحدات ثلاثة فوحدة نشأت من قبل التسمية، ووحدة نشأت من قبل وحدة المصلحة، وأخرى من قبل وحدة الوجوب، وكل من هذه الوحدات في طول الأخرى وعلى كل فجزئية الشئ للمسمى فرع وحدة الاسم، ولذي الأثر فرع وفاء تمامها بالأثر الواحد، وللواجب فرع انبساط الوجوب الواحد على المتكثرات، وفي الرتبة المتأخرة عنه، فقبل تعلقه بها لا يتعقل جزئية شئ منها للواجب، ولو قيل جعلته جزء وبعده لا يتعقل وجه لعدم اعتبارها شاء الامر كذلك أم أبى، وكذا شرطية للوجوب وسببيته مترتبة على إناطة الوجوب وتوقيفه وتعليقه على ذلك فقوله عليه السلام: (إذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور)، يدل على إناطة وجوبها بدخول الوقت، ومن ذلك ينتزع العقل
(٢٣٣)