تنقيح الأصول - تقرير بحث آقا ضياء ، للطباطبائي - الصفحة ٢٢٨
شئ لاحد، وكذا الزوجية والحرية وغيرهما، فالانشاء والجعل بمنزلة جزء الأخير من العلة التامة لوجودها، وما لم يوجد لا مصحح لاعتبارها، وأما الأمور الانتزاعية فهي تابعة لمنشأ انتزاعها قوة وفعلية، فعند وجوده صح انتزاعها ولو لم يكن هناك إنشاء ومنشئ، وعند عدمه وانتفائه لا مصحح لانتزاعه، ولو قيل إني جعلت المنشأ ألف مرة، بل المدرك ينتزع الصورة الانسانية مثلا من الوجود الخارجي حتى مع قول المولى بأني ما جعلت له هذه أو جعلت نقيضها، فاتضح أن الأمور الجعلية غير قابلة للتحقق إلا بالانشاء والجعل، ودائرة مداره حدوثا وبقاء، وأما الانتزاعيات فلا دخل له فيها لا ثبوتا ولا عدما، وان الأحكام التكليفية لا تكون جعلية كما اشتهر ووقع عليه التسالم، فإن الوجوب مثلا لا استناد له إلى الانشاء في مقام الاقتضاء، فإن المصلحة من لوازم الواجب وذاتياته أما بعنوانه الأولى أو الثانوي، وأما العلم بهذه المصلحة وكذا سائر مبادئ الإرادة وكذا نفسها وإظهارها بمادة الطلب أو الإرادة أو بهيئة صيغة الامر فليس شئ منها من الجعليات والاعتباريات التي تتفرع على الانشاء، بداهة إنها أمور تكوينية وموجودات خارجية عينية لا إناطة لها بالانشاء، نعم تحقق مفهوم الطلب انشائي حاصل بالقصد إليه والى حصوله بالتلفظ بمثل أطلب وأريد، لكنه ليس متحدا مع الوجوب أو ملازما معه، فإن الانشاء من الهازل والساهي واللاغي وغير الملتفت، لا يدعو الملتفت إلى الامتثال ولا يقتضي الجري والتحرك على طبقه، نعم إبراز الطلب والإرادة الكامنة موضع لحكم العقل بحسن إتيان المراد وجواز العقاب على تركه بعد الابراز، فيرى العقل إن إبراز المولى للإرادة مقتضى لحصول المراد ويعد المانع من وقوعه منه وهي الشهوة والدواعي النفسانية كالعدم، فيلحظ المراد واجبا ولازما بالنظر إلى وجود المقتضى المجرد عن المانع ادعاء، فينتزع الوجوب واللزوم والايجاب والبعث والانبعاث والتحرك، فهذه أمور انتزاعية عن منشأ واحد وهو إبراز المولى إرادته، وقد تقدم أن نفس الابراز أمر واقعي لا جعلي اعتباري، فما أدري بم صح عد الوجوب وكذا سائر الخمسة من التكليفية من الأحكام الشرعية الجعلية مع إنها منتزعه عن منشأ لا استناد له إلى الجعل، وببيان آخر أن بعض الأمور اختيارية ومقدور للانسان بلا واسطة وسبب غير إرادته كالتكلم
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»