وجوبهما منوط بدخول الوقت ومسبب عنه، ومن قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس)، إن الدلوك سبب للامر بالإقامة، فهذه أيضا من الأمور الانتزاعية لا عن نفس الحكم بل خصوصية وكيفية. وأما السببية التكوينية فهي تابعة لخصوصيته في السبب بها يؤثر هذا الأثر المخصوص دون غيره، فهي ليست جعلية ولا انتزاعية، هذا تقريب ما قيل في وجه انتزاعية هذه الأمور، ولنا فيه نظر يظهر إن شاء الله.
فظهر مما مر إن الحكم الجعلي وضعيا كان أو تكليفيا هو ما يتوسط بينه وبين إرادة حصوله جعل وإنشاء، ولا يكفي الإرادة والقصد من دون التسبب إليه بالجعل والانشاء، كالملكية فإنها لا تحصل بصرف إرادة حصولها ولا بإيجاد أسبابها ما لم يتوسل بها إليها بالانشاء. وعلى هذا فلا ينبغي عد الوجوب وسائر التكاليف من الاحكام الجعلية، فإن الوجوب أمر مثلا ينتزعه العقل بعد ظهور إرادة المولى وإبرازه إياها متعلقة بعمل من الأعمال، فمنشأ انتزاعه هي الإرادة المبرزة المتعلقة بالفعل من حيث كونها علة أو مقتضيا لحصوله، فبها يجب المراد كالمعلول بالنظر إلى علته، وكذا ينتزع عنها الالزام والبعث والتحريك، وهذه العناوين بأسرها حاصلة ومتحققة عند إبراز الإرادة المولوية وإبراز المبرز الانشائي أو الاخباري، سواء كان المولى قاصدا لحصولها أم لا، بل لو قصد عدمها أيضا لأنه إذا تحقق منشأ الانتزاع والاعتبار، فلا يبقى انتظار للعقل في تجويزه الانتزاع والاعتبار والتوصيف ولا يرى دخلا وتأثيرا للمنع والتجويز التكليفيين في ذلك، فلو فرض وقوع شئ فوق الاخر ولو لم يكن بالقصد، فلنا انتزاع الفوقية والتحية واعتبارهما، منع عن ذلك الشرع أم لم يمنع، فالوجوب لو كان جعليا بهذا المعنى لزم أن لا يتحقق ولا يصح اعتباره إلا عند كون المولى قاصدا له ومتوسلا إليه بالانشاء، لا عند إبراز الإرادة مطلقا حتى مع الغفلة عن ذلك كما هو الأغلب فإن الامر منا لا يخطر بباله عنوان الوجوب وغيره أصلا، كما لا يخفى، فنفس الوجوب مثل إرادة إبراز الإرادة ونفس الانشاء والإرادة المتعلقة بالعمل والمصلحة القائمة، كلها أمور واقعية أو اعتبارية انتزاعية لا إناطة ولا توقف بالانشاء والجعل، كما كان الامر كذلك في الملكية على ما عرفت، وكذا الامر في سائر التكليفات فإنها ليست جعلية بهذا المعنى لا بأنفسها ولا بمباديها، نعم