للوجوب فإنه أمر يعتبره العقل بعد العلم بالإرادة وضعا للمراد كاللزوم على ما تقدم، فتحصل أن الأحكام التكليفية ليست جعلية على ما اشتهر وسلم، وأما الوضعية فبعضها كالملكية والزوجية جعلية على ما مر، فإن المالك مثلا لو لم ينشأ سبب التمليك بقصد التسبب والتوسل إلى حصول الملك لغيره لما حصلت الملكية له، فهذا أمر اعتباري له مشابهة بالإضافة المقولية لقيامه بالامرين وطرفين وله شبه بالجذة والملك الاصطلاحي لأهل المعقول، وليس بشئ منهما فإن، الإضافات وكذا الهيئات متحققة في الخارج كان في البين معتبر أم لم يكن، بداهة ثبوت الفوقية والتحية والمحاذات والموازات لبعض أمرين موجودين خارجا، وإن لم يعتبرها ولم يتصورها متصور، وأما الملكية فهي أمر اعتباري لا واقعية لها خارجا، ولا يوجب تبدل طرف إضافتها وهو المالك تغييرا في العين المملوكة أصلا، فلو وجد سببها وفرض فقد المعتبر رأسا، أو صار بنائهم على عدم اعتبارها، فلا يتحقق أبدا فهي بمنزلة الفئ للإضافة المقولية أو الجدة المفسرة بهيئة إحاطة شئ بشئ ومتقومة بالقصد والجعل، هذا حال الملكية، وأما سائر الأحكام الوضعية فسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في إنها مجعولة أو منتزعة، فتحصل مما سبق إن الامر الجعلي لا يترتب على الإرادة بلا واسطة ولا يتحقق إلا بقصد التسبب بموجبه من الانشاء والجعل إليه، وإن الملكية والزوجية من هذا الباب، ولذا لا يعتبر حصولهما إلا في صورة انشائهما بالصيغة عن جد وبقصد التوسل بها إلى حصولهما، ومن هذه الجهة لا يرى الملك حاصلا بالتمليك الهزلي وبالانشاء الصادر من الساهي والنائم والمتلفظ به إظهارا للوجود أو القدرة على النطق، وإن الوجوب وبقية الأحكام التكليفية ليست جعلية بهذا المعنى في شئ من مراتبها المتصورة أما المصلحة الدائمية إلى الايجاب مثلا فهي من خواص الأعمال ولا ربط لها بالعلم بها، وكذا إرادة ما يفي بها، وكذا إنشاء الطلب بالجعل ضرورة إن شيئا مما ذكر ليس من الأمور الاعتبارية التوليدية من الجعل والانشاء الواسطة بينها وبين الإرادة، وبعد تمام الانشاء وإحراز المكلف إياه يحكم عقله بجواز العقوبة على ترك المراد بحسن الإطاعة والانقياد، فبذلك يرى الإرادة المبرزة من المولى مقتضية لحصول العمل والموانع النفسانية كالعدم فيحكم بوجوب المراد ولزومه تحريكا وبعثا إلى
(٢٣٠)