تنقيح الأصول - تقرير بحث آقا ضياء ، للطباطبائي - الصفحة ٢٤٣
فلا تستند إلى الجعل ولا ينتهي أمرها إليه، بل لا تناله به كما لا يخفى، فلا بد من حمل كلام من أطلق القول بمجعوليتها على غير هذا المعنى، فإن قاطعية العذر عند العقل مترتبة على انكشاف الحكم الواقعي وموضوعه، وكذا انكشاف الحكم الظاهري والعلم بدليله، فالقطع المتعلق بالحكم أو الدليل عليه موجب لانكشاف الحكم الواقعي أو الظاهري، ومنجز له على العبد وقاطع للعذر وكاشف عن ثبوته، فلا يقع واسطة في الاثبات، فلذا وقع في الرسائل ما وقع من إنه ليس من الواسطة في الاثبات وتطلق الحجة عليه لا بهذا الملاك، وأما لو كان المراد هو المعنى الثاني، فلا يخفى إن تتميم كشف الشئ الذي هو عبارة أخرى عن إلغاء الاحتمال المخالف للمظنون وتنزيله منزلة العدم، أمر قابل للجعل والاعتبار، لكن لا بالنحو المتقدم في جعل الجزئية، فإنها بحقيقتها مجعولة واعتبارية على ما تقدم بيانه، وأما التنزيل وادعاء إن الموجود معدوم أو بالعكس، فهو أمر واقعي ومجعول تكويني، ولو كانت أدلة حجية الامارة والأصول على اختلاف ألسنتهما ناظرة إلى ذلك، فيصح عد الخبر الواحد حجة باعتبار كونه وسطا في الاثبات لا باعتبار إنه قاطع للعذر، فإن هذا الوصف وأثر مدار العلم الحقيقي أو الادعائي من حيث الأثر كما سيأتي المتعلق بالحكم الواقعي أو الظاهري المنزل بمنزلته لا باعتبار وجوب الجري على طبقه المجعول عند التنزيل ممائلا لما كان العقل حاكما به عند العلم الحقيقي، فلا وجه لتوصيفه بالقاطعية لان الحجة بالمعنى الثاني غير قابلة للجعل التشريعي على ما ظهر، وأما بالمعنى الثالث فهي في الحقيقة عبارة أخرى عن جعل وجوب الجري على طبق ما أخبر به العادل من الاحكام، أو على ما كان معلوما فما مضى ثم شك فيه، وهذا حكم شرعي مماثل لحكم العقل عند العلم بالحكم، وقد تقدم منا في أوائل بحث الخبر الواحد إن الظاهر من الأدلة باختلاف ألسنتها هو هذا الوجوب، وتقدم إنه طريقي، نظير وجوب الاختيار على المرأة التي تشك في دم إنه من الحيض أو غيره، ووجوب الاحتياط فيما قبل الفحص، فإنهما أيضا طريقيان وموجبان لتنجز الواقع في البين لو كان، وإلا فلا يترتب على مخالفتهما عقاب إلا على حرمة التجري، فلو سلم إن الوجوب (نفسيا كان أو غيريا أو طريقيا) مجعول للشارع إما بالاستقلال أو بالتبع، فالحجية التي هي منتزعة عن
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»