والعمل على طبق الحالة السابقة، فإن التجار يعملون على الاستصحاب ويرسلون مال التجارة على عهدة عمالهم في البلاد النائية، ولا يعتنون باحتمال موتهم أو هلاك أهل تلك البلاد ومن جملتهم ذاك العامل، وكذا يدعون جمعا كثيرا للضيافة ويرتبون مقدماتها جريا على طبق الحالة السابقة، من دون اعتناء باحتمال هلاكه أو هلاكهم، أو خراب داره، فكل ذلك منوط على الاستصحاب، فيصدق إن عيش بني آدم وحركاتهم على طبق الحالة السابقة، ولا نعني من الاستصحاب إلا هذا بل يقال إن قوله عليه السلام (لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك)، إشارة إلى القضية الارتكازية في أذهان العقلاء، وظني إن هذا الخبر لو لم يكن دليلا على عدم كون المرتكز ذلك، فلا دلالة له على الاثبات أيضا، وتوهم كون ذلك البناء من الاطمينان الفعلي والعلم العادي والظنون الشخصية في غاية البعد، كتوهم كون العمل رجائيا في جميعها، ولكن لابد من ملاحظة إن العمل منهم مبني على صرف التعبد بالشك، وإن المعلوم الزائل احتمالا بمنزلة الباقي، أو من باب بناء العقلاء على الاخذ بالاطمينان النوعي الحاصل وجدانا، فلا يكون المدار في هذا البناء هو مجرد التعبد بالبقاء في صورة الشك بل طريقة العقلاء على الجري على طبق الاطمينان النوعي، فالحق إن المدرك للبناء المستقر ليس صرف التعبد بالبقاء في صورة الشك، إذ لا يتعبدون بالبقاء بمجرد الشك فيه، بل حصول الاطمينان النوعي في كثير من الموارد، ويعبر عنه بالعلم العادي وبالظنون والعلوم الشخصية في بعضها، وكذا بالظنون النوعية المستندة إلى الظن بالملازمة بين بقاء الشئ وحدوثه، وما قيل في دفع الملازمة من أن ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم، إنما ينافي القطع بها، لا الظن المدعي بملاحظة كون الغالب كذلك، فمن يجعل المستند للبقاء هو الجري على الحالة السابقة ظنا نوعيا ارتكازيا للعقلاء، فلا يجوز دفعه بمنع حصول الظن في الموارد الشخصية وبأن ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم، بل لابد من منع حصول هذا البناء عنهم في الأمور الدينية، أو من دعوى الردع من الشرع بمثل ذيل رواية مسعدة بالنسبة إلى الظن في الموضوعات، وبالآيات الناهية عن اتباع الظن، وغير العلم في الاحكام، والوجه الدائر هو الثاني فدعوى إنه يستفاد من هذا البناء إنهم يتعبدن مع الشك ببقاء اليقين في غاية الاشكال، بل مبني على حصول الاطمينان، كما إن مبنى
(١٩١)