القائل بحجية الاستصحاب من باب الظن على ذلك، فإذا احتمل هذا المعنى فإثبات إن بناء العقلاء على مجرد التعبد بالشك في غاية البعد، ولو أغمضنا عن ذلك وقلنا بأن بنائهم استقر على ذلك، وإنهم يعملون عند الشك على اليقين السابق تعبدا.
فنقول بنائهم تارة يكون بما هم مسلمون فيكون من باب السيرة، وهذا ينافي الردع لأنه مانع من وجودها واستقرارها، ومع تحققها لا مجال لاحتمال الردع، لأنه ينافيها، فمن استقرار السيرة نكشف عن عدم الردع من الصدر الأول، ولكن إثبات هذه السيرة مع الاختلاف العظيم الواقع في حجية الاستصحاب في غاية الاشكال، وتارة يكون بنائهم بما هم عقلاء، وهذا أيضا على نحوين فتارة يكون بناء العقلاء في أمور دينهم بما هم متدينون ومن جملتهم فرق المسلمين، وهذا أيضا يرجع حكمه إلى السيرة لان المسلمين أيضا داخلون في المتدينين، فنكشف من استقرارها إنهم لم يكونوا مردوعين من الصدر الأول، وتارة يكون بنائهم في أمور معاشهم مع قطع النظر عن عالم التدين، ويحتمل أن يكون بنائهم على ذلك في أمور دينهم، وقد ظهر إنه إن كان بنائهم من قبيل الأول فهو يضاد مع الردع، لأنه لو كان في البين رادع لم تستقر السيرة على الخلاف، فهي على تقدير ثبوتها كاشفة عن عدم الردع، إلا إنه لا بأس بالنظر في إن هذا المعنى حاصل في الاستصحاب، يعني استقر عملهم على السيرة على نحو يصير مرتكزا في الأذهان بحيث لا يخرج عن أذهانهم أم لا، ومن المعلوم إن هذا المعنى لا يمكن ادعائه في المقام مع وجود هذه الاختلافات العظيمة، وإن كان بنائهم من قبيل الثاني، ويتعدى من المعاش إلى الدين، ففي هذه الصورة أيضا لا وجه للنزاع في ردع هذه السيرة، لان المقام غير مرتبط بردع الشارع، لان الشارع أوكلهم في أمور معاشهم على عقولهم مسامحة وتوسعة، هذا كله في منع انعقاد البناء التعبدي على الاستصحاب، وفي منع صحة النزاع في الردع عنه على تقدير تحققه وتسليمه.
وأما لو أغمضنا عن ذلك أيضا وسلمنا جواز النزاع في الرد عن البناء عن المستقر المستمر إلى الان، فلا بأس بالتعرض لما يستدل به للرداعية من الآيات وهي على سنخين، أحديهما تمنع عن اتباع غير العلم واقتفاء ما ليس به علم، والأخرى تدل على إن الظن لا يغنى ولا يكشف عن الحق والواقع، وقد يتمسك بهما على الردع عن