والملكية عند حصوله، فظهر إنه منشأ للاعتبار وانتزاع الجعل، لا إنه عينه كما قد يتسامح في التعبير، أو علته حتى يكون ترتب عدم الحكم على عدمه من ترتب اللازم العقلي على ملزومه، ويكون استصحابه بلحاظه مثبتا، فالانشاء الواقعي منشأ للجعل التحقيقي والظاهري التنزيلي منه منشأ للجعل الظاهري، فعدمه التنزيلي منشأ لعدم الحكم تعبدا، فهو أثره الشرعي المصحح لتطبيق لا تنقض على عدم الانشاء، وبتقريب آخر لو كان الانشاء علة للجعل والمجعول لكان استصحاب عدمه إثباتا لعدم الحكم مثبتا كما قيل، فإن الأثر وهو عدم الحكم مرتب على عدم الانشاء حقيقة لا تعبدا وتنزيلا، فلا وجه لترتيبه على عدمه الظاهري، وأما على تقدير كون الانشاء منشأ للاعتبار فثبوته الواقعي يصحح اعتبار تحقق المنشأ واقعا وبالتنزيل اعتبار تحققه ظاهرا، فلا مانع من استصحاب عدمه والتعبد به باعتبار أثره وهو عدم المنشأ تعبدا، فإن الأثر في المقام ثابت للأعم من الواقعي والظاهري، هذا مضافا إلى إنه لو سلم عدم وجه لتطبيق الاستصحاب على عدم الجعل، فلنا أن نستصحب عدم المجعول في المقام أيضا، فلا فائدة في هذا التشقيق، هذا حال التفصيل فيه مع قطع النظر عن كون الشك في المقتضى أو في الرافع، وأما بهذا الاعتبار فسيجئ الكلام فيه إن شاء الله في أثناء التعرض للاخبار.
ثم إنه قد يستدل على حجية الاستصحاب مطلقا بارتكاز ذوي الشعور بل مطلق الحيوان، فقيل إن الجري على طبقه ليس من خصائص الانسان ذي النفس الناطقة، بل هو من لوازم النفس الحيوانية، ولذا يرجع كل حيوان إلى مأمنه ومرتعه، وكل طير يرجع إلى وكره مع احتمال الخراب والزوال، وليس هذا إلا اتكالا على البقاء واعتمادا على الاستصحاب، وهذا كما ترى شبيه بالسفسطة، لان رجوعها إلى مأواها لا يدل على ذلك أصلا، إذ لعلها لفرط انغمارها في الغفلة لا يبدو لها احتمال الخلاف، ولا دليل على حدوثه منها كما لا يخفى، بل لعلها ناش عن العادة المغمورة فيها، وربما يستدل للحجية في الجملة بالاجماع، ولا ريب في إنه لا وجه لدعواه مع هذا الخلاف العظيم من السلف إلى الخلف، ومع عدم تسلم الجميع لحجيته في مورد من الموارد، فإن النفي المطلق لا يبقى مورد للانفاق، وقد يتمسك في ذلك ببناء العقلاء، وإن أساس عيشهم على الاستصحاب