قد يصدر منه بما انه مولى فاللسان الناطق بالطلب لسان المولى وقد يصدر منه بما انه طبيب أو حكيم فاللسان المزبور لسان الطبيب أو الحكيم والامر انما يصدق على الطلب الصادر منه إذا كان صادرا بلسان مولويته (ومن هنا) صح ان يقتصر في معنى الامر على اعتبار قيد العلو فيه دون الاستعلاء لكن بنحو من تلطيف النظر والقريحة القاضي بان الامر في موارد عدم الاستعلاء لم يصدر من العالي بما هو عال وان صدر من ذات العالي فان ظاهر اعتبار العلو اعتبار عنوان العلو في منشأ الطلب بحيث يكون الطلب صادرا من عنوان العالي وناشئا من جهة مولويته وعلوه لا من المناشئ الاخر التي هي متحققة فيه فان الطلب الناشئ من غير جهة المولوية لا يفرق فيه بين صدوره من المولى وصدوره من غيره فإنه في كلا الفرضين ناشئ من منشأ واحد ولا يؤثر تحقق المولوية في صدق الامر عليه إذا لم تكن هي المؤثر في وجوده (بل التحقيق) ان الطلب المتحقق في موارد المستحبات أو المكروهات من هذا القبيل فليس طلب الفعل المرخص في تركه أمرا ولا الزجر عنه مع الترخيص في فعله نهيا و ذلك لان الطلب المتحقق في مواردها لم يصدر من المولى بما انه مولى ولذا لم يجب امتثاله وانما صدر منه بما هو ناصح خبير بما يترتب على تلك الأعمال فيرغب عبيده بما يرى حسن عاقبته و يحذر عما يرى سوء عاقبته كما يقود البصير الأعمى إلى الطريق المستقيم فليس في تلك الموارد أمر أو نهى بجهة المولوية لعدم بلوغ حسن الفعل أو قبحه مرتبة يؤثر في حسن إكراه العبد على الفعل أو الترك ولولا ما ذكرناه لما كان معنى معقولا للطلب إذا لم يكن إلزاميا فان الإرادة المولوية إذا كانت متحققة وجب إنفاذها وليست للإرادة مراتب تختلف بالشدة والضعف فيجب إنفاذ شديدها دون ضعيفها نعم للحب والبغض مراتب لكن إذا بلغت مرتبة الإرادة كانت جميعها في هذه المرتبة شرعا سوأ قوله لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة في الوجوب:
قد ظهر لك من كلامنا السابق استدراك هذا البحث فإنه إذا اعتبر قيد العلو والاستعلاء في معنى الامر كان الامر لا محالة مستتبعا لتحريك العقل نحو الإطاعة وإلزامه بها وذلك هو المنشأ لانتزاع عنوان الوجوب فالطلب الايجابي انما يمتاز عن الطلب غير الالزامي بإيجاب العقل إطاعته دون غير الالزامي فالوجوب لا ينفك عن تحقق الامر بمعنى ان كل أمر يجب إطاعته عقلا لا أقول إن ذلك مأخوذ في مفهوم الامر بل أقول إنه من لوازمه وخواصه واما مفهومه فهو ليس الا الطلب الصادر من العالي المستعلى وهذا الذي ذكرناه