تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٨٢

____________________
ولما كان رفع الحظر أعم من الوجوب والندب والإباحة وكان المقصود هنا الوجوب اتفاقا فعلمنا باقتران اللفظ بقرينة أفادت الوجوب، فتلك القرينة رافعة للقرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي إن كانت الصيغة للوجوب، كما في القرينة المنصوبة لرفع أثر الشهرة الصارفة للفظ عن معناه الحقيقي في المجاز المشهور، ورافعة لها مع تعيينها أحد المجازات الأخر لو كانت حقيقة في الندب، ورافعة لها مع تعيينها أحد المعنيين الحقيقيين إن كانت مشتركة لفظا بين الوجوب والندب، ومفهمة إن كانت مشتركة معنوية فمع جريان تلك الاحتمالات في القرينة المقطوع بها سقطت الدلالة.
وأجيب عنه تارة: بمنع الإجماع على حرمة السجود لغير الله تعالى على الملائكة.
وأخرى: بأن الأمر الواقع عقيب الحظر إنما يفيد رفعه إذا تعلق بنفس المحظور والمقام ليس منه، إذ المحظور إنما هو السجود لغير الله تعالى والمأمور به إنما هو السجود لله سبحانه، وآدم إنما هو جهة السجود كالكعبة لا أنه المسجود له حقيقة.
لا يقال: عصيان إبليس كاشف عن كون المسجود له هو آدم لا غير، لأن استكباره إنما نشأ عن جعله جهة السجود دونه عليه اللعنة.
وثالثة: بمنع وقوع الأمر عقيب الحظر، إذ المراد به ما إذا تعلق الأمر بعين ما تعلق به النهي كما لو قال الله تعالى: " اسجدوا لآدم " بعد قوله: " لا تسجدوا لآدم " وأما إذا فرض متعلق النهي أعم مطلقا من متعلق الأمر كما لو قال السيد لعبده: " اخرج إلى المكتب " أو " أعط زيدا درهما " بعد نهيه عن مطلق الخروج وعن مطلق إعطاء الغير فلا يكون داخلا في هذا العنوان، وما نحن فيه أيضا من هذا الباب، إذ السجود لغير الله أعم منه لآدم.
وضعف الجميع واضح على المتأمل، فإن القبح الذاتي كاف في ثبوت التحريم، دل عليه الشرع أو لا، فعدم انعقاد الإجماع - على فرض تسليمه - غير قادح، وظاهر الآية بقرينة ذكر " اللام " دون " إلى " كون المسجود له هو آدم دون غيره، مضافا إلى ظهور قول إبليس: ﴿لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون﴾ (1) في ذلك أيضا، وتعلق النهي بالأفراد في ضمن تعلقه بالطبيعة أصالة كاف في كون الأمر المتعلق ببعض تلك الأفراد واقعا عقيب الحظر.
والأولى في الجواب أن يقال: بمنع صلوح مجرد وقوع الأمر عقيب الحظر صارفا عن

(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 82 83 84 85 86 87 ... » »»