تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٨٥

____________________
الله ورسوله) (1) ونحو ذلك، فلا يستفاد منه طلب فضلا عن الوجوب، بل المراد به بيان ما هو مصلحة المأمورين في الواقع من التحرز عن مخالفة الأمر المتوجه إليهم، لما في المخالفة من المفاسد المترتبة عليها من استحقاق إصابة الفتنة أو عذاب أليم، فيكون إرشاديا نظير قولك لصاحبك: " اتق الأسد " و" احذر الغضنفر " ونحو ذلك، ولا ينافيه كونه للتهديد أيضا لما فيه من تعدد الاعتبارين، فإنه بالقياس إلى ترك مخالفة الأمر إرشاد لكونه محصلا للمصلحة، وبالنظر إلى المخالفة تهديد أو إنذار لكونها موجبة لترتب أحد الأمرين، وعلى هذا القياس أوامر الطبيب وأمثاله فإنها إرشاد وتهديد باعتباري الفعل والترك.
غاية الأمر أنهما ينفردان في كون أحدهما مدلولا مطابقيا مقصودا بالأصالة والآخر مدلولا التزاميا مقصودا بالتبع، كما لا يقدح ذلك في تتميم الاستدلال بالآية، بل ولو قطع النظر عن جهة التهديد لكانت إرادة الإرشاد كافية في نهوضها على تمام المدعى، ضرورة أن اللازم الواقعي الذي أخبر به الصادق لا ينفك عن ملزومه.
وبما قررناه يندفع المناقشة في دلالة الآية على حكم الأمر بحسب اللغة كما هو المدعى، بأن التحذير من الشيء إنما يكون قبل وقوع ما حذر عنه، فلو كان الأمر للوجوب لغة لاستحق مخالفه العذاب لا محالة، فالتحذير عنه حينئذ مما لا وجه له، فالآية إنما تصلح للدلالة على أن الأمر الوارد بعدها للوجوب وهو خلاف المدعى المطلوب إثباته، فإن المصلحة الواقعية إذا كانت في الحذر عن مخالفة الأمر وإن المخالفة مما يترتب عليه مفسدة استحقاق إصابة الفتنة أو العذاب الأليم فلا يتفاوت الحال حينئذ بين أجزاء الزمان، لتساوي نسبة الجميع إليهما كما في سائر الأمور الواقعية، والمفروض أن قوله: (فليحذر) ليس المراد به التكليف بالحذر حتى يقال بامتناعه بالنسبة إلى مضى الأزمنة مما قبل نزول الآية، لحصول الاستحقاق حينئذ بتحقق موجبه لو كان الأمر للوجوب لغة، فلم لا يجوز أن تنهض الآية كاشفة عما حصل من الاستحقاق في السابق ومفيدة للحذر عما من شأنه أن يحصل في اللاحق على تقدير وقوع موجبه، وهذا من لوازم كون " الأمر " للوجوب لغة وهو المدعى.
فلا حاجة حينئذ إلى أن يقال في دفعه: بأن التحذير كما يكون للتحرز عن الوقوع في العذاب بفعل المأمور به فقد يكون بالتوبة على تقدير تركه، فيجوز أن يراد بالتحذير ما يشمل التارك المستحق وغيره.

(1) كذا في الأصل.
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»