تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٧٦

____________________
منها: منع كون الاستفهام إنكاريا ويقرر ذلك بوجهين:
أحدهما: أن الاستفهام الحقيقي أعم من كونه للنفس أو للغير الذي يعبر عنه ب‍ " التقريري " بدليل عدم صحة السلب عن المستفهم لأجل غيره، والذي يمتنع عليه تعالى إنما هو الأول دون الثاني، فلم لا يجوز أن يكون المراد به طلب الإقرار عن إبليس بالعلة الداعية له إلى ترك السجود، وذلك لا ينافي استحباب السجود ولا طرد إبليس ولعنه، لجواز كون تلك العلة بمكان من القبح بذاتها أوجبت هذه العقوبات وغيرها.
وثانيهما: أن المتعين عند تعذر الحقيقة إنما هو الاستفهام التقريري لكونه أقرب إليها من الإنكاري باعتبار مشاركته لها في الجنس وهو طلب الفهم.
غاية الأمر أنه في المجاز لأجل الغير وفي الحقيقة لأجل النفس، وهو فرق بينهما في الفصل فقط، بخلاف الإنكار فإنه يفارقها جنسا وفصلا كما لا يخفى، فيكون المراد حينئذ إبراز العلة التي بعثته على ترك السجود وإقراره بها وهو الاستكبار الذي اعترف به بعد ذلك في قوله: ﴿أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين﴾ (1) وهذا أمر يتم إذا كان الأمر للندب أيضا، فلا دلالة للاستفهام على ذمه ولا توبيخه، ولا في طرده وإبغاضه بعد إقراره بكون العلة فيه ما ذكر.
ويمكن الجواب عن الأول، أولا: بمنع شمول حقيقة الاستفهام للطلب لأجل الغير، لكون الظاهر المتبادر منه كونه لأجل النفس، والأصل فيه كونه وضعيا. ودعوى عدم صحة السلب، يدفعها: الجزم بصحة أن يقال - لمن استفهم للتقرير -: إنه ما استفهم بل طلب الإقرار والاعتراف بما هو معهود في البين.
وثانيا: منع هذه الدعوى - لو سلمت في المادة - في أدوات الاستفهام، لما حققناه في محله من عدم جواز التعدي عن إحداهما إلى الأخرى في إعمال الأمارة المختصة بإحداهما، ولا الحكم بمدلولها في الأخرى إلا بدليل آخر وليس بموجود هنا، والملازمة بينهما أيضا غير ثابتة بل الثابت خلافه، فإن المتبادر من الأدوات ليس إلا طلب الفهم للنفس.
وثالثا: عدم كون هذه الدعوى - بعد الغض عما ذكر - مجدية في منع وجوب السجود بدلالة الصيغة، فإن كونه مندوبا ينافيه إطلاق لفظ " الأمر " لظهوره في الإيجاب بواسطة الوضع حسبما عرفت في محله، فلا يراد به ما ليس بإيجاب إلا مع القرينة وهي مفروض الانتفاء.

(١) ص: ٧٥.
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 72 73 74 75 76 77 78 79 80 82 ... » »»