تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٦٠٤

____________________
أحدهما: الانتقال إلى ما لو أتى المكلف بما يكون شرطا من شروط فعل الحرام.
وثانيهما: الانتقال إلى ما لو أتى بما يكون علة له.
أما الانتقال الأول: فلا ينبغي التأمل في عدم كونه حراما وإن ترتب عليه بالأخرة فعل الحرام، فإن من أصلح سيفا للجهاد أو دفع السبع عن نفسه فاتفق بعد ذلك أنه قتل به نفسا محترمة، أو بنى سطحا أو منارة لا لغرض فاسد فاتفق أنه ألقى نفسه عنهما للتهلكة، أو اشترى جارية لغرض الاستخدام فاتفق أنه تغني بها إلى غير ذلك، مما لا يحصى لا يعاقب على الإصلاح والبناء والاشتراء ولا يذم عليها ولا تعد قبيحة وإن ترتب عليها القبيح بضرورة من العقل والشرع دينا ومذهبا، كيف ولا يسلم فعل من الأفعال عن جهة فساد مترتبة عليه فلو صلح ذلك منشأ للفساد لأدى إلى تحريم الجميع، وبطلانه من أبده البديهيات.
وأما الانتقال الثاني: فما يكون علة تامة لفعل الحرام مع عدم العزم عليه وكونه حراما لأجله مما لا يكاد يتعقل، إذ لا يتصور له فرض إلا في مثل ما لو عصر عنبا لا لغرض الخمرية فاتفق أنه استحال خمرا ثم اتفق الشرب منه، أو أوقد نارا لا لغرض إحراق نفسه فاتفق الإحراق، فحينئذ إن كان ترتب ذلك قصديا منوطا بلحوق عزمه على المعصية يكون الصورة راجعا إلى الفرض الأول، ضرورة أن العقد المذكور حينئذ جزء أخير من العلة فالفعل بانفراده ليس هو العلة، والمفروض أنه لم يؤت به لأجل التوصل إلى الحرام فلا يكون حراما لعين ما ذكر، وإن لم يكن قصديا منوطا بالعزم لغفلة أو جهل أو بغتة فلا يعقل فيه حرمة ليحرم لأجله العلة الموصلة إليه ضرورة استحالة تكليف الغافل والجاهل والغير القادر.
وأما الجهة الثانية: فلا إشكال في حرمة العزم على المعصية من باب المقدمة على ما هو من مقتضى التحقيق السابق من أن مقدمة ترك الحرام الواجب على المكلف فعلا إنما هو عدم الإرادة، وقضية وجوبه من باب المقدمة حرمة خلافه وهو الإرادة كما هو الشأن في كل واجب، إذ لا نعني بالعزم على المعصية إلا الإرادة، ولا يفرق في الحرمة بين الحصة الأخيرة منها المقرونة بفعل الحرام وغيرها من الحصص المتقدمة عليها كما توهم، لضرورة كون كل مقدمة ولو بوسائط، كما هو الحال في جميع المقدمات التي بينها ترتب بحسب الوجود الخارجي، فتأمل (1).

(1) وجهه وضوح الفرق بين سائر المقدمات المترتبة في الوجود وبين الإرادة المستمرة عن زمان طويل المنحلة إلى أجزاء متعددة مقدمية. وجه الفرق: إن كل مقدمة في الأول لها مدخلية في وجود الواجب بحيث لو ترك بعض منها لأدى إلى ترك الواجب سواء كان ذلك البعض مقرونة بالواجب أو مقدمة عليه بوسائط، بخلاف ترك الإرادة فإن الذي يفضي تركه منه إلى ترك الواجب هو ترك الحرام إنما هو القصد الأخيرة منه، وقضية ذلك أن يكون المحرم من [جايز] الإرادة هو الحصة الأخيرة منها دون ما تقدم عليها كائنا ما كان إذ الذي يحصل به فعل الحرام إنما هو الحصة الأخيرة لأنها لو تركت ترك وإلا ففعل، بخلاف الحصص المتقدمة عليها فتركها لا يستلزم ترك الحرام لجواز حدوث الحصة الأخيرة ولا وجودها يستلزم وجود الحرام لجواز حصول الحصة الأخيرة الذي يستند إليه ترك الحرام. (منه عفي عنه).
(٦٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 575 582 590 593 595 604 605 606 607 608 609 ... » »»