تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٢٥٠
وقوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) فإن فعل المأمور به من الخيرات؛ فيجب الاستباق إليه. وإنما يتحقق المسارعة والاستباق بأن يفعل بالفور.
____________________
وأما ما يقال أيضا - في دفع الاستدلال بتلك الآية والآية الآتية - تارة: بأن ظاهرهما معارض بظاهر الأوامر المطلقة، فإنها بإطلاقها تدل على التوسعة فتقدم على الآيتين، لكون كل واحدة أخص من كل واحدة، والخاص مقدم في مقام المعارضة على العام.
وأخرى: بأن الأمر إن كان للفور يلزم أن يكون الآية - بناء على دلالتها على الفور - تأكيدا، وإن كان للماهية يلزم التأسيس، ولا ريب في تقدم التأسيس على التأكيد.
وثالثة: بأن الآيتين لو سلم ظهورهما في الوجوب فهو ظهور، وما ذكرنا من التبادر وغيره في الماهية في الأوامر المطلقة ظهور، ولا ريب أن هذا أقوى منه فيحمل الآيتان على الاستحباب، فكلها مدخولة لا ينبغي الالتفات إليها.
نعم يرد عليهما: أنه لو أريد بهما إثبات الوضع لغة أو شرعا فهما قاصرتان عن إفادته، بل ربما قيل: بأن فيهما إشعارا بعدم دلالته لغة على الفور وإلا لما احتاج إلى البيان، وإن أريد ما وراء ذلك فليس من المتنازع فيه كما تقدم، وصرح به غير واحد من الأجلة.
ومع الغض عن جميع ما ذكر نقول: إنهما على ما يساعده الانسباق العرفي والفهم الصافي كنايتان عن فعل الطاعات، ومراد بهما الحث والتحريص على إكثارها وممارستها والمبالغة على الاعتبار بشأنها من غير نظر فيهما إلى فور ولا مبادرة، وإن كان موضوعهما اللغوي هو المبادرة على ما نص عليه غير واحد من أهل اللغة، كما يقال:
" سارع إلى إصلاح أمرك، أو إهلاك عدوك " أي لا تقصر ولا تهمل.
* يرد عليه: كثير مما تقدم، مضافا إلى ما قيل: من أن مفاد الاستباق هو مسابقة البعض لآخر في أداء الخيرات والتسابق عليها، دون مطلق الإسراع إلى الفعل ليراد منه الفور فلا يوافق المدعى، فلابد حينئذ من حملها على الندب، إذ لا قائل بوجوب المسابقة على الطاعات على الوجه المذكور.
وأما ما قيل في الذب عنه: من أنه لما كان ظاهر الآية الوجوب ولم يكن الاستباق على هذا الوجه واجبا قطعا، فيصير ذلك قرينة على حمل الاستباق على مطلق المسارعة.
ففيه: أن الأمر في الندب أظهر عرفا من الاستباق في مطلق المسارعة، فتعين المصير إليه جزما.
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 247 248 249 250 251 252 253 256 257 ... » »»