من هذه الجهة مراعى بوجوب ذلك الواجب المشروط على تقدير الاتيان بهذا الواجب والامتثال به مراعى بوقوعه فيجوز أن يترتب على ترك مثل هذا الواجب ما يترتب على ترك الاخر إذا أدى تركه إلى عدم تحقق وجوبه لاستناد فوات فوائده إليه وينبغي أن يجعل من هذا الباب استحقاق المرتد الذي لا يقبل توبته العقوبة على ما يفوته بالارتداد من الواجبات المشروطة بأمور غير حاصلة حال الارتداد لو قلنا بذلك وأن يجعل منه وجوب تعلم الصلاة وأحكامها قبل دخول وقتها مع أن وجوبها مشروط بدخول وقتها لو قلنا بذلك ويقرب هذا النوع من الواجبات النفسي إلى الواجب الغيري بالمعنى المتقدم لمساواته إياه في جملة من الثمرات وربما يظن أنه منه وليس كما يظن إذ لا يعقل الوجوب الغيري عند عدم وجوب الغير فكيف يكون من بابه نعم لو فسر الوجوب الغيري بمعنى آخر أعم من المعنى المتقدم جاز وينقسم الواجب باعتبار آخر إلى أصلي وتبعي فالأصلي ما فهم وجوبه بخطاب مستقل أي غير لازم لخطاب آخر وإن كان وجوبه تابعا لوجوب غيره والتبعي بخلافه وهو ما فهم وجوبه تبعا لخطاب آخر وإن كان وجوبه مستقلا كما في المفاهيم و المراد بالخطاب هنا ما دل على الحكم الشرعي فيعم اللفظي وغيره و زعم بعض المعاصرين أن الواجب الأصلي هو الذي استفيد وجوبه من اللفظ وقصده المتكلم منه والتبعي بخلافه وهو غير واضح و العجب أنه خص نزاعهم الآتي في وجوب مقدمة الواجب بالواجب الأصلي بالمعنى الذي ذكره مع أن نزاعهم هناك يجري فيما ثبت وجوبه باللفظ وبغيره كالاجماع والعقل وقد صرح هو به أيضا قبل ذلك و التدافع واضح بل التحقيق أن نزاعهم هناك في وجوبها التبعي بالمعنى الذي ذكرنا وأعجب من ذلك أنه بعد أن جعل الدلالة الالتزامية البينة بنوعيها من الدلالة اللفظية ادعى كون تلك الدلالة مرادة للمتكلم من الخطاب لتكون [فيكون] أصلية مع ظهور أنه لا يلزم إرادته للازم في البين الأخص ولا تنبهه له في البين الأعم كالسامع فضلا عن إرادته له ثم الأصالة والتبعية قد يفترقان بالمورد وقد يفترقان بالاعتبار كما لو صرح بوجوب بعض المقدمات من الشرائط الجعلية وغيرها فإن وجوبها من حيث كونه مستفادا من وجوب ذي المقدمة ولو بعد ثبوت الشرطية تبعي ومن حيث كونه مصرحا بخطاب مستقل أصلي وأنت إذا أحطت خبرا بما تلونا عليك من أقسام الواجب وأحكامها تيسر لك الاطلاع على أقسام الحرام والمندوب والمكروه وما يتبعها من الاحكام فإنه أيضا تنقسم إلى مطلق ومشروط نفسي وغيري تنجيزي وتعليقي أصالي وتبعي ويظهر الكلام فيها بمقايسة ما مر فصل الحق أن الامر بالشئ مطلقا يقتضي إيجاب ما لا يتم بدونه من المقدمات الجائزة وفاقا لأكثر المحققين وإنما قيدنا الامر بكونه مطلقا احترازا عن مقدمات الامر المشروط قبل حصول الشرط فإنها لا تجب من حيث كونها مقدمة له إجماعا لظهور أن وجوب المقدمة على القول به يتوقف على وجوب ذي المقدمة فيمتنع بدونه والمراد بالمقدمات الجائزة ما تكون جائزة ولو حال كونها مقدمة مع قطع النظر عن أدلة التشريع فدخل مثل الدخول في الأرض المغصوبة لانقاذ النفس المحترمة لجوازه عند عدم التمكن منه بدونه والصلاة إلى غير جهة القبلة وفي الثبوت المتنجس بغير العفو عند الاشتباه لعدم حرمتها حينئذ من غير جهة التشريع ولو قلنا بأن لها جهة تحريم مع قطع النظر عن التشريع كانت من القسم الأول أيضا وإنما قيدنا المقدمات بكونها جائزة لامرين الأول الاحتراز عن المحرمة منها مطلقا ولو حال كونها مقدمة سواء انحصرت فيه أو لم تنحصر أما الأول فلما عرفت في التمهيد من أن الامر على تقدير حصول المقدمة مطلق بالنسبة إليها وإن كان مشروطا بالنسبة إلى ما أضيف إليها من كونه أتيا بها على ما مر البيان مع أن الامر بالشئ يمتنع أن يقتضي الامر بمثل هذه المقدمة لما سيأتي ولا يذهب عليك أن هذا الكلام يتمشى بالنسبة إلى المقدمة الجائزة أيضا فإن وجوب الواجب على تقديره يوجب وجوب مقدماته باعتباره على ذلك التقدير فلو وجبت هي أيضا على ذلك التقدير [أيضا فيلزم في الفرض المذكور] أن يكون وجوب المقدمة على تقدير وجودها وهو متضح الفساد لكن حيث لم نظفر بوقوعه في أصل الشرع لم نحافظ على إخراجه من العنوان وربما أمكن وقوعه في النذر وشبهه ولو حرر النزاع في المقدمات المقدورة التي لا يكون وجوب الواجب معلقا عليها ولا على تقدير حصولها حصل الاحتراز به عن ذلك أيضا وأما الثاني فظاهر لاستحالة تعلق الأمر والنهي بشئ واحد والثاني الاحتراز عن غير المقدورة منها سواء انحصرت فيه كحضور أيام الحج بالنسبة إلى أفعاله أو لم تنحصر كسير الزمن ماشيا مع تمكنه منه راكبا أما الأول فلما عرفت من أن الامر مطلق بالنسبة إليها وليس مشروطا بحصولها وإلا لما تعلق الخطاب إلا بعد حصولها فيلزم أن لا يتعلق الخطاب بالمقدمات التي قبلها تبعا للخطاب بالحج كما في الفريضة بالنسبة إلى دخول الوقت وليس كذلك مع أن الامر بها ممتنع وأما الثاني فلاستحالة الامر بغير المقدور ولو على وجه التخيير ووجه الاحتراز أن الجواز حكم شرعي لأنه جنس للأحكام الأربعة والحكم الشرعي لا يتعلق بغير المقدور وما يقال في أخيري الامرين من أن الواجب بالنسبة إلى المقدمة الجائزة و المقدورة مطلق وبالنسبة إلى المحرمة وغير المقدورة مشروط فيخرج عن العنوان فمما لا يصغى إليه وهذا هو السر في تقييد كثير منهم للمقدمة في العنوان بكونها مقدورة وإن قصر عن إفادة الاحتراز عن الامر الأول اللهم إلا أن يؤول بما يتناول المقدورة شرعا أيضا فيرجع إلى ما ذكرناه وحيث خفي وجه هذا التقييد على الفاضل المعاصر تركه معترضا على من اعتبره بأنه لا وجه له إلا التوضيح فإن الامر المطلق لا تكون مقدماته إلا مقدورة وأن الواجب بالنسبة إلى المقدمة الغير المقدورة يكون مشروطا وقد سبقه إلى ذلك غيره وهو كما ترى هذا وقال قوم بعدم الاقتضاء مطلقا و فصل جماعة فأثبتوه في السبب دون غيره وآخرون فأثبتوه في الشرط الشرعي دون غيره ثم من المثبتين من صرح بأن المراد من الاقتضاء اللزوم العقلي ومنهم من أطلق ولا بد أولا من تحرير محل
(٨٢)