المولى بعده اخرج من المحبس إلى المكتب ظاهر في الوجوب مع سبق الحظر من الخروج عليه والجواب أن الحظر عن الخروج إن كان بعد الامر بالذهاب إلى المكتب فلا نزاع لنا فيه كما عرفت وإن كان بدونه فلا خفاء في أنا إنما نريد كون سبق الحظر في نفسه قرينة صالحة لصرف الامر عن الوجوب وذلك لا ينافي قيام قرينة أخرى موجبة لخلافه فإن القرائن الظنية قد تتعارض وفهم الوجوب هناك على تقدير تسليمه مستندا إلى ما سبق العلم به أو ما هو ظاهر الحال من كون الخروج إليه مطلوبا عند عدم ما يمنع منه نظرا إلى أن العادة جارية بالاهتمام بشأنه أو لنحو ذلك ونظيره أوامر الحائك ومن يقرب إليه في الصناعة لمن يعمل بين يديه حيث يأمره بالذهاب تارة وبالمجئ أخرى بعد ما ينهاه عنهما ويأمره بالارسال تارة و بالامساك أخرى بعد ما ينهى عنهما فإن السر في فهم الايجاب من تلك الأوامر مع سبق الحظر عليها سبق الامر عليه مضافا إلى كون المقام مقتضيا لطلب التشاغل بالفعل ونواهيه إنما يكون على قدر الضرورة والحاجة هذا وأجاب بعض المعاصرين عن الامر بالخروج بأنه خارج عن محل البحث لان الكلام فيما إذا اتحد مورد الامر و النهي إطلاقا وتقييدا والنهي في المثال المذكور متعلق بمطلق الخروج والامر بالمقيد منه بالذهاب إلى المكتب فدلالته فيه على الوجوب لا ينافي المقصود هذا ما يظهر من كلامه وضعفه ظاهر لان النهي عن المطلق يقتضي النهي عن المقيد فيكون الامر به عقيب الحظر عنه على أن اشتراط اتحاد المورد من حيث الاطلاق والتقييد يوجب خروج أكثر أمثلة الباب أو كلها منه كما لا يخفى وإن أراد أن النهي في المثال المذكور متعلق بالجزاء أعني الخروج والامر متعلق بالمجموع المركب منه ومن الذهاب إلى المكتب فيتدافع قضية الجزين فيرجح جانب الحقيقة فضعفه ظاهر لان متفاهم أهل العرف والاستعمال لا يساعد على الفرق أ لا ترى أن المولى إذا قال لعبده لا تأخذ هذه الخمسة ثم قال له خذ العشرة مشيرا إليها وإلى خمسة أخرى أنه لا يفهم منه الوجوب حيث لا يفهم من قوله خذ الخمسة و كذا إذا قال سائل هل يجوز بيع أحد النقدين بالآخر فقيل له بع أحدهما بالآخر واقبض في المجلس فإنه لا يفهم منه أيضا إلا إباحة البيع على الوجه المذكور و على قياسه الحال في نظائره ومن هنا يتضح أن الحكم المذكور لا يختص بالامر بالشئ بعد الحظر عنه بل يتناول الامر الوارد في سياق الامر المذكور أيضا نعم يعتبر أن يكون له تعلق به كما يظهر من المثال المذكور ثم اعلم أن القوم حرروا هذا النزاع على القول بأن الامر للوجوب ولا يختص به بل يجري على سائر الأقوال في الامر مما عدا القول بالإباحة أيضا ووجهه ظاهر فصل الحق أن هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا تكرار وفاقا لجماعة من المحققين وقال قوم بأنها تفيد التكرار إن أمكن و نزلوها منزلة أن يقول افعل أبدا وقال آخرون بأنها تفيد المرة و قيل باشتراكها بين المرة والتكرار وتوقف جماعة وهم بين متوقف في الاشتراك وعدمه وبين متوقف في تعيين المرة والتكرار و الظاهر أن نزاعهم في الدلالة الوضعية كما يشير إليه حججهم وهو نص القول بالاشتراك وفي الأوامر التي لا يكون في معنى النهي كما ترك واجتنب فإن الكلام فيهما كالكلام في النهي وإنما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه ولأن الأكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها ولأنه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل إلا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه وخص نزاعهم في أن اسم الجنس هل يدل على الجنس من حيث هو أو على الفرد المنتشر بغير المصدر ويؤيد ذلك أو يدل عليه عدم احتجاج القائل بالمرة هنا بدلالة المادة عليها مع أن من المواد ما لا نزاع في دلالته على الدوام و استمر ثم هل المراد بالمرة الفرد الواحد وبالتكرار الافراد أو المراد بها الدفعة الواحدة وبالتكرار الدفعات وجهان استظهر الأول منهما بعض المعاصرين ولم نقف له على مأخذ والتحقيق عندي هو الثاني لمساعدة ظاهر اللفظين عليه فإنه لا يقال لمن ضرب بسوطين دفعة إنه ضرب مرتين أو مكررا بل مرة واحدة على أن القائل بالتكرار يقول بوجوبه مع الامكان على تقدير أن يكون الامر للوجوب و لا قائل ظاهرا بوجوب الاتيان بما زاد على الفرد الواحد دفعة إذا تمكن منه وفي كلامهم تلويحات إليه كقول القائل بالتكرار هو للتكرار مدة العمران أمكن وقول البعض حكاية عنهم ونزلوها منزلة أن يقول افعل أبدا إلى غير ذلك مع أنهم لو أرادوا بالمرة الفرد لكان الأنسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد فيقال عند ذلك وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث كما فعلوه وأما على ما اخترناه فلا علقة بين المسألتين فإن للقائل بأن الامر يتعلق بالطبيعة أن يقول بأنه للمرة أو التكرار بمعنى أنه يقتضي وجوب إيجادها مرة واحدة أو مرارا بالمعنى الذي سبق وأن لا يقول بذلك وكذا القائل بأنه يتعلق بالفرد دون الطبيعة إذ ليس المراد به الفرد الواحد بل مطلق الفرد وبهذا يندفع ما أورده المحشي الشيرازي على الحاجبي حيث نفي دلالة الامر على المرة والتكرار مع قوله بأن الامر يتعلق بالفرد دون الطبيعة من أنهما لا يتوافقان إذ لا شك أن الجزئي هو الماهية المقيدة بوحدة ما ثم ما أجاب عنه بقوله إلا أن يقال مرادهم من المرة أن لا يكون متكررا مردود بأن ذلك مما لا إشعار به في كلامهم كما ستقف عليه بل أقول على تقدير تفسير المرة بالفرد لا منافاة بين قول الحاجبي أيضا لان المراد بالمرة حينئذ إنما هو الفرد الواحد كما أن المراد بها على التقدير الاخر الدفعة الواحدة فقوله يتعلق الامر بالفرد دون الطبيعة لا يقتضي القول بتعلقه بفرد واحد حتى يلتجئ في المقام إلى التزام القول بالمرة بل له أن يقول بها وبالتكرار وأن لا يقول بشئ منهما بأن يجعله لطلب الفرد مجردا عن اعتبار الوصفين كما هو ظاهر مذهبه إذا عرفت هذا فلنا على القول المختار وجوه الأول التبادر فإن المفهوم من الصيغة عند الاطلاق ليس إلا طلب إيجاد الفعل وظاهر أن المرة والتكرار خارجان عنه وإذا ثبت ذلك عرفا ثبت لغة وشرعا بضميمة أصالة عدم النقل ولا ينافي ذلك عدم انفكاك المطلوب عن أحدهما واقعا على التخيير والبدلية بناء على ما تحققه من أن المطلوب بالامر
(٧١)