يصادف وجود المانع ولو مع العلم به لظهور أن لا غرض للامر في فعله وكذا من يجعل الامر بالمسبب راجعا إلى الامر بالسبب لم يقصد به السبب الناقص كما يفصح عنه دليله مع أن إطلاق السبب على السبب الناقص مجاز ولا قرينة عليه في كلامه فلا يصح حمله عليه ثم أقول في حده إن أراد بالاستلزام دوام الاستلزام لم يتناول السبب الناقص وكذا إن أراد الاستلزام من حيث الذات كما هو الظاهر من لفظ الحد لامتناع تخلف ما بالذات عنها على ما حقق في محله وإن أراد الاستلزام في الجملة دخل الشرائط أيضا لأنها قد تستلزم وذلك إذا أخذت بشرط المقارنة لغيرها من تتمة العلة ثم السبب بهذا المعنى أعم منه بالمعنى الأول فيرد عليه الاشكال المورد عليه على أن قوله ويلزم من عدمه العدم مستدرك لحصول الاحتراز عن المانع كما ذكره بما ذكره من الاستلزام في جانب الوجود وما زعمه من أن تقييد الاستلزام في جانب العدم مستدرك لحصول الاحتراز عن المانع كما ذكره بما ذكره من الاستلزام في جانب الوجود وما زعمه من أن تقييد الاستلزام في جانب العدم بقوله لذاته لادخال الأسباب المتعددة غير سديد لان عدم كل سبب في ذاته لا يستلزم عدم المسبب و إلا لامتنع وجوده بسبب آخر لما مر وإنما يستلزمه بشرط عدم بقية الأسباب أو يستلزمه عدم جميع الأسباب إلا أن يتعسف بحمله على الاستلزام في الجملة كما مر في بعض الوجوه والتحقيق أن المراد بالسبب هنا هو الجز الأخير من الفعل الاختياري الخارج المقتضي وجوده وجود المسبب فخرج الغير الاختياري في نفسه لما عرفت و الأجزاء لدخولها ولوازم السبب وجزؤه إن كان مركبا والأسباب الناقصة والمعدات والشرائط إذ لا اقتضاء لها حقيقة وإن كان للأسباب الناقصة شأنية الاقتضاء ودخل المقتضي بواسطة مسببه لان المقتضي للسبب مقتض لمسببه أيضا عرفا ثم اعلم أن مقدمة الواجب المطلق قد ينحصر في المقدور كالطهارات الثلاث بالنسبة إلى المتمكن وقد يشترك بينه وبين غير المقدور كتطهير الثوب فإنه يحصل تارة بغسله المقدور وأخرى بوقوعه في الماء من غير قصد و بغسل غيره له من غير إذنه إلى غير ذلك مما لا يستند إلى قدرة المكلف ولا ريب في أن وجود الواجب في مثله لا يتوقف على التقدير الأول فقط بل على أحد التقديرين منه و من التقدير الثاني فيكون مقدمة الواجب أحد الامرين لكن الوجوب على القول به إنما يتعلق بالمقدمة المقدورة على التعيين دون غيرها و لو على التخيير لاستحالة التكليف بغير المقدور مطلقا نعم يسقط وجوب المقدورة عند القائلين به بحصول غير المقدورة ولا يلزم منه وجوبه كسقوط ما في ذمة زيد بأداء عمرو وكسقوط وجوب إزالة النجاسة عن المسجد باستباق السيل والمطر إليها مع أن الوجوب في الصورتين تعييني إذا تقرر هذا فالمستند على القول المختار وجوه الأول شهادة الضرورة بذلك فإن من راجع وجدانه حال إرادته لشئ و طلبه له وقاس نفسه إلى ما يتوقف عليه من مقدماته وأنصف قطع بأنه مريد لها للوصلة إليه على حد إرادته له وقطع بأن منشأ هذه الإرادة إنما هو إرادة ذي المقدمة وأنها تستلزمها حتى إنه لو بنى على عدم إرادتها حال إرادته وجد ذلك من نفسه مجرد فرض لا حقيقة له لمخالفته مقتضى عقله واعترض عليه بأن الامر كثيرا ما يذهل عن تعقل المقدمات فيمتنع إرادته لها إذ تعلق الإرادة والطلب بأمر غير معقول والجواب أنه إن أريد امتناع ذلك في الطلب الأصلي فخارج عن محل البحث وإن أريد امتناعه في الطلب التبعي فممنوع فإن لوازم الخطاب مرادة بإرادته كتعيين أقل الحمل من الآيتين و إن قدر الذهول عنها أو نقول المقدمة مرادة على تقدير الذهول عنها بالإرادة الشأنية بمعنى أنها بحيث لو تنبه الامر لها لأرادها وهي منزلة منزلة الإرادة الفعلية بحكم العقل والعادة كمحافظة العبد على ما يجده من مال مولاه في معرض التلف وكإنقاذه للغريق من أهله و صديقه إذا تمكن من ذلك من دون مانع فإنه يذم على الترك في ذلك قطعا وإن لم يسبق إليه خطاب به وليس ذلك إلا لكون المقام بحيث لو اطلع عليه مولاه لألزمه به على أنه لا خفاء في أن الوجوب المتنازع فيه إنما هو الوجوب الشرعي وهو مستند إلى أمره تعالى و إرادته ويمتنع الذهول والغفلة عليه وأما الوجوب المستند إلى أمر من يجب طاعته شرعا فراجع إلى أمره تعالى فإنه تعالى حيث أمرنا بالطاعة أمرنا بمقدماتها أيضا الثاني أن صريح العقل قاض بأن اتصاف الامر المقدور بالرجحان النفسي المانع من النقيض بالفعل يوجب اتصاف ما يتوقف عليه من مقدماته التي تقدم ذكرها بالرجحان له أعني الرجحان الغيري كذلك وقضية ما تقرر عند أهل التحسين والتقبيح من أن أحكام الشرع تابعة لما تتضمنه الافعال من وجوه المصالح والجهات المرجحة أن يكون الراجح النفسي مطلوبا لنفسه والراجح الغيري مطلوبا للغير على اختلاف مراتب الطلب بحسب تفاوت مراتب الرجحان و حيث إن رجحان الواجب رجحان مانع من النقيض فلا بد أن يكون رجحان مقدماته أيضا كذلك وذلك يستلزم وجوبها على القاعدة المذكورة وهو المطلوب الثالث أنها لو لم تجب لجاز تركها وحينئذ فإن بقي الواجب على وجوبه لزم التكليف بالمحال لامتناعه حال عدمها وإلا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا وبطلان كل منهما ظاهر واعترض عليه بعد التزام القسم الأول تارة بمنع بطلان التالي لجواز التكليف بالمحال إذا كان ناشئا من قبل المكلف و أخرى بمنع الملازمة لان القدرة لا ترتفع بجواز الترك إذ تأثير الايجاب في القدرة غير معقول والاعتراض الأول أنسب بأن يكون قول المستدل وحينئذ بمعنى حين الترك والثاني أنسب بأن يكون معناه حين الجواز والجواب عن الأول أن التكليف بالمحال مما يستقل كل من العقل والنقل ببطلانه سيما إذا ترتب على أمر جائز وعن الثاني أن المقصود ليس تأثير إيجاب المقدمة في القدرة على ذي المقدمة بل في صحة التكليف به بحيث يترتب الذم على تركه لأنه إذا لم تجب المقدمة عليه لم يصح ترتب الذم عليه لعدم صدور مخالفة منه إذ حال القدرة لا يجب عليه التوصل إلى الواجب بإتيان مقدماته وبعدها لا تكليف عليه وإلا لزم التكليف بالمحال وأما ما يقال من أن اللازم على تقدير وجوب المقدمة حينئذ وقوع المخالفة فيها لا في ذي المقدمة فيبقى الاشكال فيه بحاله بناء على عدم جواز التكليف بالمحال
(٨٤)