حصوله إن كان مطلوبا فهو أمر خارج عن كونه مطلوبا منه وإنما هو حامل على الطلب فالواجب النفسي ما يكون المطلوب من المكلف في إيجاده نفسه دون توصله به إلى غيره والواجب الغيري ما يكون التوصل به إلى غيره مطلوبا من المكلف فاتضح وجه الخصوصية أيضا وإنما قيدنا المطلوب بقولنا عن المكلف احترازا عن الغايات المطلوبة في التكليف إذا لم تكن مطلوبة من المكلف إذ لا يناط الفرق بها ولا بد أن تعتبر الحيثية في الحدين لئلا ينتقضا بصورة الاجتماع ثم هل يعتبر في وقوع الواجب الغيري على صفة وجوبه أن يترتب عليه فعل الغير أو الامتثال به وإن لم يقصد به ذلك أو يعتبر قصد التوصل إليه أو إلى الامتثال به وإن لم يترتب عليه أو يعتبر الأمران أو لا يعتبر شئ منهما وجوه والتحقيق من هذه الوجوه هو الوجه الأول لان مطلوبية شئ للغير يقتضي مطلوبية ما يترتب ذلك الغير عليه دون غيره لما عرفت من أن المطلوب فيه المقيد من حيث كونه مقيدا وهذا لا يتحقق بدون القيد الذي هو فعل الغير وأما القصد فلا يعقل له مدخل في حصول الواجب وإن اعتبر في الامتثال به نعم إن كان عبادة وكان مطلوبيتها من حيث كونها للغير فقط اعتبر فيه ذلك كما في الوضوء والغسل بناء على نفي رجحانهما الذاتي ويظهر الثمرة فيما لو وجب عليه الدخول في ملك الغير بغير إذنه لانقاذ غريق يتوقف عليه فدخله لغير ذلك فبدا له فأنقذه وكذا الحال فيما لو نذر أن لا يدخله حيث ينعقد فيه النذر أو حلف أو عاهد عليه فعلى ما حققناه ليس عليه معصية الغصب والحنث وإنما عليه معصية التجري بيان ذلك أن التصرف في الفرض المذكور يقع تارة واجبا وهو ما إذا ترتب عليه الانقاذ وأخرى حراما وهو ما إذا لم يترتب عليه ذلك فإذا علم من نفسه أن الذي يرتكبه من نوع الواجب وصادف الانقاذ فلا إشكال وإن علم أنه من نوع الحرام حرم عليه الاقدام فإن أقدم والحال هذه فإن لم ينكشف الخلاف بأن لم يترتب عليه الانقاذ كان ما أتى به حراما وإلا كان واجبا وعصى بالتجري فقط كمن تصرف في ماله على أنه مال غيره أو أتى زوجته على أنها أجنبية إلى غير ذلك هذا إذا قلنا بأن المتجري إنما يعصي بعزمه المقرون بالعمل ولو قلنا بأنه يعصي بعمله كما هو الظاهر أمكن اعتبار الثمرة في جهة التحريم والتحقيق أن الوجوب على هذا التقدير مقصور على تقدير العلم أو الظن بالانقاذ لانتفاء الوجوب بطريان التحريم ولو من جهة التجري لتضاد الاحكام فيرتفع المانع من ثبوت تحريمه الأصلي وأما لو أتى بالواجب الغيري للامتثال بالغير ولم يترتب عليه اختيارا كما لو نقض عزمه أو اضطرارا كما لو طرأ مانع عقلي أو شرعي لم يمتثل به من حيث كونه واجبا في الواقع نعم يمتثل في الصورة الثانية من حيث إنه ظنه واجبا وبعبارة أخرى يمتثل التكليف الظاهري ويترتب عليه آثاره من المدح و الثواب دون الواقعي فامتثاله في هذا الفرض على حد عصيانه في الفرض السابق وأما في الصورة الأولى فلا ريب في عدم استحقاقه المدح والثواب بشهادة العقل والعادة وإلى هذا ينظر قولهم بأن الأجير على الحج من البلدان قطع المسافة وفاته الحج لموت وشبهه استحق أجرة القطع بالنسبة وإن تركه متعمدا لم يستحق شيئا وهل ذلك حبط لعمله السابق أو كاشف عن عدم مطلوبيته بحسب الظاهر أيضا لكونه مراعى بعدم ترك ذي المقدمة اختيارا وجهان وعلى ما قررنا فمن نذر أن يغتسل غسل الزيارة فاغتسل لها ثم بدا له فلم يزر أو منعه مانع منها لم تبرأ ذمته وكذا لو نذر أن يصلي ركعة غير الوتر انعقد نذره لو اعتبرها لا بشرط الوحدة ووجب عليه من باب المقدمة أن يأتي بالركعة الأخرى لتقع الركعة راجحة شرعا فإذا أتى بالركعة ثم بدا له قطع الصلاة فقطعها أو فاجأه بعض القواطع لم تبرأ ذمته إلى غير ذلك وذلك لان مطلوبية الغسل في الفرض الأول و الركعة في الفرض الثاني إنما هي للغير أعني الزيارة في الأول و المجموع في الثاني وعلى تقدير عدم حصوله ينكشف عدم المطلوبية فلا يقع المنذور وهذا مبني على ما هو الظاهر من لفظ الغسل والركعة ونظائرهما أعني الصحيح الذي تعلق به الطلب الواقعي ولو أراد به مطلق الراجح منها ولو في الظاهر برئت ذمته بالمذكور في غير صورة العمد ووجهه ظاهر ومما يتفرع أيضا على ما حققناه مسألة التيمم في سعة وقت الفريضة لغاية غيرها بناء على مراعاة التضييق فإنه إذا لم يترتب عليه الغاية كشف عن بطلانه فيبطل الفريضة أن صلاها به ولو في آخر وقتها و كذا لو تيمم للفريضة عند ضيق وقتها ففاتته نعم لو ترتب على تيممه في المقامين غاية كان تيممه حين وقوعه مطلوبا لها أيضا صح و جاز الدخول به في غاياته المتأخرة إذ قصد الغاية بالمقدمة غير معتبر في مطلوبيتها كما بيناه ويكفي في انعقاد العبادة مطلوبيتها واقعا مع قصد القربة بها فقد اتضح ما قررنا أن الواجب الغيري إذا لم يترتب عليه فعل الغير جاز أن يتصف بغير الوجوب من سائر الأحكام حتى الحرمة لانتفاء الوجوب المضاد لها حينئذ واحفظ هذا فإنه ينفعك في بعض المباحث الآتية واعلم أن الراجح للغير يستدعي عقلا رجحان الغير بالاعتبار الذي رجح له ويكون رجحانه على حد رجحانه إن واجبا فواجبا وإن مندوبا فمندوبا على اختلاف مراتبهما ضعفا وقوة وهذا عند التأمل مما لا خفاء فيه وأما رجحان غسل اليدين للاكل ووضوء الجنب للنوم من غير فرق بين أن يكون الاكل والنوم راجحين أو مرجوحين فغير مناف لذلك لان الاكل و النوم إذا وقعا مسبوقين بالغسل والوضوء تجردا عن وصف منقصة و مرجوحية لهما على تقدير وقوعهما بدونهما فالغسل والوضوء راجحان للتخلص عن تلك المنقصة والمرجوحية وكذلك كل فعل أوجب تخفيفا في كراهة فعل آخر فإنه يكون راجحا لذلك كمضمضة الجنب استنشاقه للاكل والشرب الموجبين لتخفيف كراهتهما إلى غير ذلك وبالجملة فكما أن التخلص عن المرجوحية راجح كذلك التخلص عن تأكد المرجوحية راجح واعلم أيضا أن الواجب النفسي قد يكون وجوبه لفائدة التهيؤ والاستعداد لواجب آخر مشروط بشرط غير حاصل فيجوز أن يكون
(٨١)