فيمكن دفعه بأن وجوب المقدمة ليس لنفسها بل للتوصل إلى المطلوب فمرجع المخالفة فيها إلى المخالفة فيه وبهذا يندفع أيضا ما عساه يقال من أن الدليل المذكور إنما يقتضي وجوب المقدمة ولو لنفسها و المقصود إنما هو إثبات وجوبها لغيرها وإن كانت واجبة لنفسها أيضا كما في المعارف الخمس هذا غاية توجيه الدليل والتحقيق أن وجوب المقدمة لا مدخل له في ترتب الذم والعقاب على ترك ذي المقدمة بل المدار في ترتبهما على مجرد ترك الواجب مع العلم و التمكن ولو في بعض أزمنة الوجوب والذي يفصح عن ذلك أن العقلا يذمون تارك الواجب معللين بأنه علم وتمكن ولم يفعل فلو كان وجوب المقدمة أيضا مما يعتبر في وجوب الواجب لاعتبروه في ترتب الذم عليه كالعلم والتمكن وأيضا وجوب المقدمة من لوازم وجوب الواجب وتوابعه المتوقفة عليه بالضرورة فلا يكون مما يتوقف عليه وجوب الواجب ويعتبر فيه كما يقتضيه الدليل المذكور وإلا لكان دورا وعلى هذا فالتحقيق أن المكلف ما دام متمكنا من ذي المقدمة فهو مأمور به ولا مدخل لوجوب المقدمة فيه وبعد ارتفاع تمكنه منه يرتفع عنه التكليف لقبح التكليف بغير المقدور فقول المستدل و إلا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا إن أراد خروجه عنه بالنسبة إلى حال ثبوت القدرة بأن لا يكون ما فرض واجبا مطلقا حال القدرة واجبا مطلقا فيها فبطلانه واضح لان الملازمة ممنوعة إذ لا يلزم من عدم بقاء الوجوب حال ارتفاع القدرة عدمه قبل ارتفاعها كما لا يلزم من ارتفاعه بعد فعل الواجب أو فوات وقته عدمه قبلهما وكذا نمنع الملازمة إن أراد خروجه عنه بالمعنى المذكور بالنسبة إلى حال ارتفاع القدرة إذ لا يثبت فيها وجوب حتى يتحقق الخروج عنه ولا ينافي ذلك ترتب الذم والعقاب على المخالفة إذ لا يشترط فيه استمرار التكليف إلى زمان الفعل وإن أريد بالخروج ارتفاع الوجوب المطلق عند ارتفاع القدرة فالملازمة مسلمة لكن بطلان التالي ممنوع كما أشرنا إليه الرابع أنها لو لم تجب لجاز تصريح الامر بجواز تركها والتالي باطل بيان الملازمة أن جوازه حينئذ حكم من الاحكام فيجوز بيانه لا يقال الخطاب به عبث فلا يقع من الحكيم لأنا نقول إن كان في الوجه في ذلك ظهور الحكم فظاهر خلافه لمصير كثير من الاعلام إلى خلافه مع أن اعتضاد حكم العقل بالشرع مما لا غبار عليه وإن قدر وضوحه كما وقع في غير المقام وإن كان غير ذلك فلا بد من بيانه حتى نتكلم عليه وأما بطلان التالي فمما تشهد الضرورة به حتى اعترف به بعض المنكرين للوجوب واعتذر عنه بأن الحكم بالجواز هنا عقلي لا شرعي و وجهه بعضهم بأن مقدمة الفعل لازمة له وحكم الشارع بجواز ترك اللازم دائما يستلزم حكمه بجواز ترك الملزوم ويدفعه أن تفكيك حكم الشرع عن حكم العقل غير سديد كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله وأن عدم حكم الشارع بجواز الترك إن كان مع الحكم بعدم جواز الترك فقد ثبت المطلوب وإلا فمردود بانتفاء الواسطة بين الأحكام الخمسة حجة النافين الأصل وأنه لا دلالة لصيغة الامر على ذلك بواحدة من الثلاث أما المطابقة والتضمن فظاهر وأما الالتزام فلانه لا ملازمة عقلا ولا عرفا بين وجوب الشئ ووجوب مقدمته وأنه لو استلزم لعصى بتركه والتالي باطل للقطع بأن ترك الصلاة معصية واحدة لا معاص متعددة بحسب تركها وترك مقدماتها وأنه يجوز تصريح الامر بعدم الوجوب كأن يقول أوجبت عليك غسل الوجه ولا أوجب عليك غسل ما زاد عليه وأن الامر كثيرا ما يذهل عن المقدمات فيمتنع تعلق طلبه بها وأنها لو وجبت لوجبت نيتها وأنه باطل والجواب أما عن الأول فبأن الأصل لا يعارض الدليل وأما عن الثاني فبما مر من بيان الملازمة إن أريد بها اللزوم البين بالمعنى الأعم وإن أريد بها اللزوم البين بالمعنى الأخص سلمنا انتفاء الدلالة بهذا الاعتبار لكنه لا يوجب نفي الدلالة مطلقا وقد مر ما يقتضي ثبوتها معنى وعقلا وأما عن الثالث فبمنع الملازمة فإن الظاهر من العصيان إنما هو المخالفة في الطلب الإلزامي النفسي دون الغيري وإن فسر بمخالفة مطلق الطلب الإلزامي كان بطلان التالي على تقديره ممنوعا إذ المذكور في بيانه إنما يقتضي نفي العصيان بالمعنى الأول وأما عن الرابع فبأن المنفي إن كان الوجوب النفسي فصحة التصريح به لا يثبت المدعى وإن كان الوجوب الغيري أو ما يعمه فقد مر أن الضرورة تشهد بخلافه وأما المثال المذكور فليس مما نحن فيه في شئ لأنه إيجاب شئ و تصريح بعدم وجوب مقدمة شئ آخر فإن غسل ما زاد على الوجه مقدمة للعلم بالغسل لا لنفس الغسل فنفي وجوبه ينافي تحصيل العلم بغسل تمام الوجه لا وجوب غسل تمام الوجه وأما عن الخامس فبما مر وأما عن السادس فبمنع الملازمة كما في إزالة النجاسة ونظائرها ثم هذه الأدلة كلا أو بعضا مشتركة بين الأقوال الثلاثة واحتج من خصها بغير السبب بأن وجوب السبب ليس محل خلاف يعرف بل ربما نقل الاتفاق عليه وبأن القدرة غير حاصلة مع المسببات فيبعد تعلق التكليف بها وحدها ولا يخفى ضعف الوجهين أما الأول فلان عدم معروفية المخالف لا تعويل عليه عندنا بل ولا عند المستدل فإنه أنكر حجية عدم معلومية المخالف وهو يستلزم إنكاره لحجية عدم معروفية المخالف بطريق أولى وكذا لا تعويل عندنا على نقل الاجماع في نظائر المقام حيث إن الظاهر منه إرادة مجرد الاتفاق لا الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم أو المشتمل عليه وإن كان النقل المذكور في كلام أهل الخلاف كما هو الظاهر فعدم الاعتداد به أوضح وأما الثاني فلان مجرد الاستبعاد لا يثبت به الحكم الشرعي وذلك ظاهر مع أنه جار في غير السبب من المقدمات أيضا إذ القدرة غير حاصلة مع ذي المقدمة بدونها أيضا فيجري فيها الاستبعاد المذكور واعلم أن القول بوجوب مقدمة الواجب إذا كانت سببا مبني على القول بعدم رجوع الامر بالمسببات إلى الامر بأسبابها إذ على تقدير الرجوع تخرج الأسباب عن كونها مقدمة للواجب كما هو محل البحث فاحتجاج الفاضل المعاصر على القول بوجوب مقدمة الواجب إذا كانت سببا بالحجة الآتية للقول برجوع الامر بالمسببات إلى الامر بأسبابها وتنزيله للقول المذكور على ذلك وهم واضح كيف والبحث هنا عن وجوبها الغيري التبعي والبحث هناك عن وجوبها النفسي الأصلي و لعل منشأ الوهم تعرض صاحب المعالم لنقل هذا القول وحجته في أثناء الاحتجاج فتوهم منه اتحاد القولين واحتج من خصها بغير
(٨٥)