الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٨٦
الشرط الشرعي أن الشرط الشرعي لو لم يجب لم يكن شرطا إذ بدونه يصدق أنه أتى بجميع ما أمر به فيجب صحته وهو مناف للشرطية وفيه أنه بدون الشرط لا يصدق أنه أتى بما أمر به لامتناع تحقق المشروط بدون الشرط وإن لم يجب ولو جعلنا التقييد بالشرط داخلا فالمنع أوضح وأما ما أورد على الحجة المذكورة من أنها تجري في غير الشرط الشرعي من سائر المقدمات فمما لا وجه له لعدم إمكان الاتيان بالواجب ولو صورة بدونها بخلاف الشرط الشرعي وقد يستدل بأن ترك الشرط سبب لترك الواجب فيحرم فيجب فعله وهذا مع جريانه في سائر المقدمات مبني على تحريم السبب الشأني للحرام وهو ممنوع كما يأتي ثم لا يذهب عليك أن بعض الوجوه التي أوردوها لنفي الوجوب في غير السبب والشرط لو تم أفاد نفي الوجوب فيهما أيضا كما لا يخفى واعلم أن القوم وإن خصوا البحث في المقام بمقدمة الواجب لكنه يجري في مقدمة المندوب أيضا و التحقيق بأنه مندوب للوصلة إليه والكلام فيه كالكلام في مقدمة الواجب و قد يشكل ذلك باستلزامه نفي المباح إذ ما من مباح إلا وتركه مقدمة لفعل مندوب فيكون مكروها لرجحان تركه المستلزم لمرجوحية فعله وسيأتي بيان دفعه في ذيل مبحث الضد مضافا إلى ما في كلية الدعوى من وضوح توجه المنع إليها واعلم أيضا أن الكلام في مقدمات الواجب المشروط كالكلام في مقدمات الواجب المطلق فيجب مقدماته بالوجوب الشرطي حيث يجب مقدمات الواجب المطلق بالوجوب المطلق نعم يستثنى منها المقدمة التي هي شرط الوجوب من حيث نفسه أو تقديره فإنها لا تجب بالوجوب الشرطي من حيث كونها مقدمة للواجب المشروط وإلا لزم وجوب الشئ بشرط وجوده أو على تقدير وجوده وهو محال وقس على ذلك الحال في مقدمات المندوب المشروط تنبيهات الأول قد ذكرنا أن وجوب مقدمة الواجب غيري وبينا أيضا أنه يعتبر في اتصاف الواجب الغيري بالوجوب كونه بحيث يترتب عليه الغير الذي يجب له حتى إنه لو انفك عنه كشف عن عدم وقوعه على الوجه الذي يجب فلا يتصف بالوجوب ونقول هنا توضيحا لذلك وتأكيدا له أن مقدمة الواجب لا تتصف بالوجوب والمطلوبية من حيث كونها مقدمة إلا إذا ترتب عليها وجود ذي المقدمة لا بمعنى أن وجوبها مشروط بوجوده فيلزم ألا يكون خطاب بالمقدمة أصلا على تقدير عدمه فإن ذلك متضح الفساد كيف وإطلاق وجوبها وعدمه عندنا تابع لاطلاق وجوبه وعدمه بل بمعنى أن وقوعها على الوجه المطلوب منوط بحصول الواجب حتى إنها إذا وقعت مجردة عنه تجردت عن وصف الوجوب والمطلوبية لعدم وجوبها على الوجه المعتبر فالتوصل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب وهذا عندي هو التحقيق الذي لا مزيد عليه وإن لم أقف على من يتفطن له والذي يدل على ذلك أن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور و أيضا لا يأبى العقل أن يقول الامر الحكيم أريد الحج وأريد المسير الذي يتوصل به إلى فعل الحج له دون ما لا يتوصل به إليه وإن كان من شأنه أن يتوصل به إليه بل الضرورة قاضية بجواز التصريح بمثل ذلك كما أنها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له مطلقا أو على تقدير التوصل بها إليه وذلك آية عدم الملازمة بين وجوب الفعل ووجوب مقدمته على تقدير عدم التوصل بها إليه وأيضا حيث إن المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله فلا جرم يكون التوصل إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه وصريح الوجدان قاض بأن من يريد شيئا لمجرد حصول شئ لا يريده إذا وقع مجردا عنه ويلزم منه أن يكون وقوعه على الوجه المطلوب منوطا بحصوله الثاني إذا تركب الواجب في الخارج من أجزاء كالصلاة فكل جز من أجزائه واجب بالوجوب النفسي والغيري باعتبارين فباعتبار كونه في ضمن المركب واجب نفسي فإن المركب عبارة عن نفس الأجزاء وإلا لم يكن مركبا فوجوبه عبارة عن وجوبها لكن تعلق الوجوب بكل جز حينئذ ليس مستقلا بل في ضمن الكل فالدال على طلب الكل بالمطابقة دال على طلب الجز بهذا الاعتبار أيضا بالمطابقة وإن كان الدال على متعلقه الأول أعني الكل بالمطابقة دالا على متعلقه الثاني أعني الجز بالتضمن لا يقال هذا إنما يتم فيما إذا اجتمعت أجزاؤه في الزمان دون ما إذا تفرقت فيه كالصلاة والحج إذ لا وجود للكل في الخارج حال وجود الجز حتى يعتبر وجوده في ضمنه وقد تقرر في الكتاب أن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالطبائع باعتبار وجوداتها الخارجية لا غير لأنا نقول قد حققنا في محله أن الأحكام الشرعية أمور اعتبارية تلحق الافعال الخارجية في الذهن باعتبار كونها خارجية ولا ريب أن الافعال الخارجية مجتمعة في الذهن وإن أخذت من حيث كونها خارجية فيصح اعتبار الجز في ضمن الكل في ظرف الاتصاف ومن هنا صح وصف الكل بالوجوب مع أن ثبوت الوصف فرع ثبوت الموصوف ولا وجود للكل في الخارج وإنما الموجود أجزاؤه التدريجية وليس شئ منها صالحا للاتصاف لعدم استقلاله به هذا وباعتبار كونه مما يتوصل به إلى الكل واجب غيري لتوقفه عليه ضرورة أن وجود المركب مسبوق بوجود أجزائه فيدل الامر به على الامر بها بالاستلزام فيتعلق الوجوب بها على الاستقلال وليس بالتضمن لان الوجوب النفسي بسيط وإن تعلق بمركب فلا يتركب من وجوبات غيرية وكأن من ادعى عدم الخلاف في وجوب الجز يريد به الوجوب بالاعتبار الأول فيكون خارجا عن محل النزاع الثالث المقدمة كما تكون مقدمة وجوب ومقدمة وجود كذلك قد تكون مقدمة علم كغسل جز من الرأس لتحصيل العلم بغسل تمام الوجه فتجب حيثما يجب ومرجع هذه المقدمة عند التحقيق إلى مقدمة الوجود حيث يتوقف حصول العلم الواجب عليها فوجوبها إنما يستفاد من الخطاب بتحصيل العلم الثابت في موارده بالعقل أو السمع لا من الخطاب بالفعل إذ لا توقف له عليها وهذا ظاهر وقس على ذلك الحال في مقدمة الظن حيثما يعتبر ولا يذهب عليك أن وجوب تحصيل العلم أو الظن في موارده غيري إذ الواجب في الحقيقة هو العمل المعلوم أو المظنون وجوبه دون نفس العلم أو الظن ولهذا لا يعاقب تارك الواجب على ترك تحصيل العلم أو الظن به أيضا إذا تمهد هذا فمن
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»