الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٩٣
باب المقدمة كما مر وهو معنى النهي عن فعله وإن اعتبر في ضمن الكل كان واجبا نفسيا بوجوب الكل والأولى إخراج هاتين الصورتين عن موضع النزاع نظرا إلى أن ليس فيهما أمر بالشئ وإن أمكن تعميم الشئ بحمله على المفهوم والمعنى بحيث يتناول ذلك وقد نص بعضهم على الخروج في الأول والأولى إرجاع الضد الخاص فيه إلى الضد العام لان الفعل الذي يضاد الترك هو نفس ترك الترك ورفعه الذي هو ضد عام وإن غايره في المفهوم فينحصر اقتضاء الامر للنهي عن الضد الخاص عندنا في الالتزام وهذا أوفق بتعميم بعض المباحث الآتية واعلم أن قضية ما قررنا من أن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده الخاص من باب المقدمة أن يكون كل واحد من آحاد الواجب المخير منهيا عنه بالنهي التخييري من باب المقدمة إذا تضادت وتوقف وجود كل واحد منها على عدم الاخر وهو كذلك على ما يساعد عليه النظر الصحيح فإن ما قررناه من وجوب مقدمة الواجب المطلق ليس مخصوصا بغير هذه المقدمة لكن لقائل أن يقول قضية التخيير تساوي الآحاد في المطلوبية بمعنى أن مطلوبية كل واحد على حد مطلوبية الاخر فلا يكون تركه مطلوبا له وإلا لساواه في المطلوبية على ما مر الإشارة إليه في بحث المقدمة فيلزم تساوي فعله وتركه في المطلوبية فيرجع إلى الإباحة مع أن طلب شئ لشئ يستدعي رجحانه له وهو يستدعي مرجوحية الفعل وهو ينافي رجحانه فضلا عن مساواته للاخر في الرجحان و جوابه أولا بالنقض بما إذا كان الضد شرعيا كما لو خير بين الجميع ومنع من الجمع فإنه لا ريب في مطلوبية ترك كل واحد للتوصل إلى الامتثال بفعل الاخر مجردا عن وصف الاجتماع فيتأتى الاشكال فيه و الفرق بينه وبين الضد العادي أو العقلي غير معقول كالفرق بين المقدمات وثانيا بالحل أما عن الأول فبأن مطلوبية الترك التوصل إلى الفرد الاخر إنما تقتضي مطلوبية ما يتوصل به إليه لا مطلقا على ما حققناه سابقا فالتخيير بين الفعل وترك خاص لا يكون إباحة وإنما الإباحة هو التخيير بين الفعل ومطلق الترك وأما عن الثاني فبأن رجحان الفعل على وجه التخيير لا يستلزم مرجوحية تركه مطلقا وإنما يستلزم مرجوحية تركه المجرد عن المعادل فلا ينافي رجحان تركه المتوصل به إلى المعادل وسيأتي لهذا مزيد بيان في مبحث النهي حجة من قال بأن الامر بالشئ عين النهي عن الضد أنه لو لم يكن عينه لكان أما مثله أو ضده أو خلافه والتالي بأقسامه باطل بيان الملازمة أن المتغايرين إما أن يتساويا في الصفات النفسية أو لا والمراد بالصفات النفسية ما لا يفتقر اتصاف الذات بها إلى تعقل أمر زائد على الذات كالانسانية للانسان والحيوانية للحيوان فإن تساويا فمثلان كسوادين وبياضين وإلا فإن امتنع اجتماعهما في محل واحد بالنظر إلى ذاتهما فضدان كسواد وبياض و إلا فخلافان كالبياض والحلاوة وأما بطلان التالي بأقسامه فلأنهما لو كانا مثلين أو ضدين لامتنع اجتماعهما في محل واحد لان ذلك شأن المثلين والضدين لكنهما يجتمعان في محل واحد مكلفا أو مكلفا أو مكلفا به أما الأولان فواضح وأما الأخير فلان الحركة يجتمع فيها الامر بها مع النهي عن السكون الذي هو ضدها يعني يجتمع فيها وصف كونها مأمورا بها ووصف كونها منهيا عن ضدها ومن هنا يظهر فساد ما قيل من أن أحدهما باعتبار الذات والاخر باعتبار المتعلق فليس في اجتماعهما إخلال بحقيقة الضدية كحسن زيد وقبح الغلام فإنهما يجتمعان مع أن بين وصف الحسن والقبح تضادا وذلك لان الكلام في حال هذا الوصف المتعلق بحال الموصوف لا نفسه ولو كانا خلافين لجاز أن يجتمع كل واحد منهما مع ضد الاخر لان ذلك حكم الخلافين ويمتنع اجتماع الامر بالشئ مع ضد النهي عن الضد أعني الامر بالضد لأنه تناقض أو تكليف بالمحال و أجيب بمنع ما جعله لازما للخلافين من جواز الاجتماع مع ضد الاخر لأنهما قد يكونان متلازمين كإضاءة العالم ووجود النهار أو ضدين لأمر ثالث كالعلم والقدرة المضادين للنوم فيستحيل أن يجتمع كل منهما مع ضد الاخر لأدائه إلى انفكاك المتلازمين أو اجتماع الضدين وهذا إنما يستقيم إذا انحصر الضد أو كانت الدعوى بالنسبة إلى جميع الأضداد والتحقيق أن القائل المذكور إن ادعى العينية بالنسبة إلى الضد العام بالمعنى الذي سبق أو الضد في الجملة وفسر النهي بما ذكرناه صحت دعواه لما بينا وإن فسدت حجته لما ذكر وإلا فسدت دعواه وحجته حجة من قال بأن الامر بالشئ يتضمن النهي عن ضده العام أن ماهية الوجوب يعني الايجاب مركبة من أمرين من طلب الفعل والمنع من الترك فصيغة الامر الدالة على الايجاب دالة على النهي من الترك بالتضمن والجواب أن مدلول الامر لا يزيد على طلب الفعل كما مر في مدلول الصيغة فالمنع من الترك إن كان بمعنى النهي عنه فطلب الفعل راجع إليه أو إلى جز مدلوله وإن كان بمعنى تأكد الطلب فهو من عوارضه الطارية عليه بحسب بعض مراتبه وكيف كان فلا يكون المنع من الترك جزا له حتى يدل عليه الامر بالتضمن سلمنا أن الامر يدل على الايجاب لكن المنع من الترك إن فسر بطلب ترك الترك المتأكد كما هو الظاهر فهو في الحقيقة عين الايجاب أعني طلب الفعل المتأكد وإن غايره في المفهوم فلا يكون جزا منه وإن فسر المنع بطلب الكف أو فسر الترك بالكف ففساد مقالته أوضح فإن الامر بالشئ لا يتضمن معنى الكف فضلا عن طلب عدمه أو طلب الكف عنه كما يشهد به الاعتبار الصحيح على أنا نقول إذا كان النهي عن الترك أو الكف الذي تعلق به الطلب واجب لتحقق معناه فيه ولاستحالة اتصافه بغيره من الاحكام وإلا لم يكن الامر للايجاب فإذا قلنا بأن النهي عن الترك جز من معنى الايجاب لزم تركب كل إيجاب من إيجابات ونواه غير متناهيتين وذلك ظاهر الفساد حجة من قال بالاستلزام وجهان الأول أن حرمة النقيض جز من ماهية الوجوب فاللفظ الدال عليه يدل على حرمته بالتضمن وفي هذا الاحتجاج إشعار بأن المأخوذ في الدعوى مطلق الاستلزام لكنه تعسف الثاني أن الايجاب طلب
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»