الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٨٧
فروعه ما لو اشتبه الواجب بالجائز فعلى ما حققناه يجب الاتيان بما يعلم معه الاتيان بالواجب وربما قيل بعدم الخلاف في وجوب مثل هذه المقدمة وأنكره بعض المعاصرين في غير ما ورد فيه نص فعلى ما ذكرنا يجب فيما لو اشتبهت جهة القبلة بغيرها أن يأتي بصلوات متعددة بحسب الجهات المشتبهة لا يقال تجب الصلاة إلى جهة القبلة ولا تجوز إلى غيرها فلا يكون من اشتباه الواجب بالجائز بل بالحرام لأنا نقول عدم جواز الصلاة إلى غير جهة القبلة إنما هو من جهة كونها بدعة من حيث عدم تعلق طلب الشارع بها وظاهر أن هذا يختص بغير حال الاشتباه إذ حال الاشتباه يتعلق بها طلب غيري بناء على ما مر نظرا إلى إطلاق الامر وأصالة بقاء الاشتغال فيخرج عن كونها بدعة فالمراد بالجائز ما يكون جائزا مع قطع النظر عن كونه بدعة كما مر التنبيه عليه في عنوان المبحث هذا إذا قلنا بأن حرمة الصلاة إلى غير جهة القبلة تشريعية محضة وأما إذا قلنا بأنها محرمة ذاتية كما يستفاد من بعض الأدلة فلا خفاء في أن تحريمها مقصور على غير صورة الاشتباه لعدم مساعدة دليل التحريم على ثبوته في صورة الاشتباه فيتم التفريع المذكور أيضا وعلى هذا فينوي عند الاتيان بكل واحد من آحاد المشتبه أنه يأتي بالواجب ولو أريد تعيين كونه نفسيا أو غيريا عينه بالنفسي الاحتمالي والغيري القطعي و وجهه ظاهر ثم لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الواجب فعلا كما مر أو تركا كما في الحرام المشتبه بغيره مع الانحصار فيجب الاجتناب عن كل واحد من باب المقدمة لتوقف العلم بترك الحرام الواجب عليه صرح بذلك جماعة منهم العلامة وأنكره بعض المعاصرين بناء على وجوب مقدمة الواجب معللا بأن الواجب ترك ما علم حرمته لا ما كان حراما بحسب نفس الامر إذ لا دليل عليه وهو ضعيف إذ العقل لا يفرق بين المقامين وسيأتي تحقيق الكلام فيه في محله إن شاء الله واعلم أن هذه القاعدة تقتضي جواز الاتيان بالزائد على الواجب لتحصيل العلم بإتيانه ولو مع التمكن من تحصيل العلم بغيره إذ غاية الامر أن يكون وجوبه على هذا التقدير تخييريا لا تعيينيا لكن الطريقة المتلقاة من صاحب الشريعة لا تساعد عليه في العبادات الموظفة عند التمكن من الاستعلام للقطع بعدم جواز الصلاة إلى الجهات الأربع أو في الثياب المتعددة مع التمكن من تعيين جهة القبلة وتحصيل الثوب الطاهر فينبغي تخصيصها فيها بصورة عدم التمكن ومنه يظهر أن للصلاة الفاقدة للشرط عند التمكن جهة قبح زائد على قبح التشريع أعني فعل غير المأمور به على أنه مأمور به إذ لو انحصر فيه لزم وجوبها على وجه التخيير على ما تقتضيه الأدلة السابقة فإن قضيتها عدم انفكاك مقدمة الواجب بقيودها المعتبرة في العنوان عن الوجوب الغيري ولو على وجه التخيير حيث تعدد الرابع تظهر ثمرة النزاع في مواضع منها في صحة قصد الامتثال والقربة بفعلها من حيث كونها مقدمة فعلى القول بالوجوب يصح قصد ذلك لان تعلق الطلب بفعل ولو للغير يوجب صحة قصد الآتي به لتعلق الطلب به إنه يأتي به لذلك فيصح وقوعها على وجه العبادة إذا كان مشروعيتها كذلك كما في الصلاة إلى الجهات وفي الأثواب المشتبهة ولا يصح على القول الاخر لانتفاء الطلب ومنها ترتب الثواب وقد أنكره جماعة والحق أنهم إن أرادوا بالثواب أمرا غير المدح والقرب فربما كان له وجه نظرا إلى أن العقل لا يستقل بإثباته في جميع موارده وثبوته في بعض الموارد شرعا كالسير إلى الجهاد ونحوه لا يثبت الكلية وقوله تعالى لا يضيع عمل عامل منكم لا دلالة له على تعيين ترتب أمر غيرهما و إن أرادوا الأعم منهما فترتب الامر الأول أعني المدح مما لا ريب فيه لشهادة العقل والعادة به أ لا ترى أن المولى إذا أمر عبده بأمر فأخذ يسعى في تحصيل مقدماته ويرتكب المكاره في تمهيد أسبابه للوصلة إلى مطلوبة أن العقلا يمدحونه معللين حسن مدحه بفعله ذلك للتوصل إلى مطلوب مولاه والمنع منه مكابرة لا يعبأ به وكذا الامر الثاني على ما يشهد الفطرة السليمة إذ لا ريب في أن فعل المقدمة على الوجه المذكور إطاعة وانقياد ومن البين أنهما يستلزمان القرب إلى المطاع حيث يتجردان عن الموانع الخارجية وهذا ظاهر عند من استشعر بمعنى العبودية هذا إذا أتى بالمقدمة وصلة إلى المطلوب من حيث كونه مطلوبا وأما إذا أتى بها لغيره فلا ريب في عدم ترتب الثواب عليها من هذه الجهة نعم يجوز أن يترتب عليها الثواب حينئذ من حيث نفسها إن كانت راجحة كذلك كما في الطهارة على القول برجحانها الذاتي كما يجوز أن يترتب عليها العقاب حينئذ إذا كانت محرمة في نفسها ووجب فعلها وصلة إلى ما هو أهم منها كترك الفريضة المضيقة المتوقف عليه إنقاذ الغريق إذا أتي به لغيره و بهذا التحقيق يظهر ضعف ما تمسك به بعض المعاصرين في تخصيص الثواب بالواجبات الأصلية من أنه لا دليل على ترتبها على الواجبات التبعية وأما تركها فلا يترتب عليه الذم والعقاب من حيث كونه تركا لها وإن ثبت وجوبها بخطاب أصلي أيضا على ما يساعد عليه النظر الصحيح وأما ترتب الذم والعقاب على تارك مقدمة الواجب وإن لم يصادف بعد زمن الواجب كما يشهد به العقل والعادة ولهذا يزجر و يعزر عليه فلا نسلم أنه يترتب عليه من حيث كونه تاركا لمقدمة الواجب بل من حيث كونه متجريا على ترك الواجب فإن التحقيق أن التجري على المعصية معصية أيضا لكنه إن صادفها تداخلا وعدا معصية واحدة وإنما تظهر الثمرة فيما لو تخلف عنها وأما ما ورد من أن نية السوء لا تكتب على هذه الأمة فلا ينافي ما ذكرناه لان الاستحقاق هنا إنما هو من جهة التجري الناشئ من الترك المقرون بالنية لا من حيث نفس النية مع أن نفي المؤاخذة لا ينافي الاستحقاق وترتب الذم كما في الصغائر لا يقال لو ترتب الثواب على فعل مقدمة الواجب من حيث كونها مقدمة ولم يترتب العقاب على تركها كذلك لم تكن واجبة بل مندوبة لان ذلك معنى المندوب لأنا نقول حد الواجب عندنا على ما يساعد عليه التحقيق أمران أحدهما ما يخص بالواجب النفسي وهو ما يستحق العقاب على تركه من غير بدل ولا عذر والثاني ما يتناول الواجب الغيري أيضا وهو ما ألزم الشارع بفعله وفي حد المندوب أيضا أمران أحدهما ما يختص بالنفسي منه و هو ما تعلق به طلب الشارع لنفسه مع عدم المنع من تركه مطلقا الثاني ما يتناول الغيري أيضا وهو الحد المذكور بحذف قولنا لنفسه و قس
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»