بشهادة الاستعمال والتبادر على أن كلامهم غير صريح في أن الزمان جز من مدلول الفعل فيمكن توجيهه بأن المراد أن الزمان مدلوله ولو بالالتزام كما يشعر به لفظ الاقتران فيجعل الحال في الامر ظرفا لوقوع الطلب فإن قولك افعل إنشاء لطلب حال التكلم وبهذا يرتفع الاختلاف بين كلامي الحاجبي في كتابيه والعضدي في شرحه في تقسيم الكلمة وفي هذا المبحث ولا يخفى بعده حيث إنهم عرفوا الفعل بما دل على معنى في نفسه واقترن بأحد الأزمنة و الضمير في قولهم واقترن يرجع إلى المعنى المقيد بكونه في نفسه و ليس إلا معناه الحدثي وإرجاعه إلى مطلق المعنى تعسف واضح و الأظهر في الجواب أن يقال دلالة الامر على الزمان لا يوجب دلالته على خصوص الحال بل الأعم منه ومن الاستقبال كما مر نظيره في فعل المضارع وهذا أقرب في رفع التنافي بين كلماتهم وإن كان احتجاجهم بأن المتبادر من الامر ليس إلا طلب الحقيقة ربما يأبى ذلك لكن ينبغي تنزيله على القصر الإضافي لعدم انحصار مدلول الامر في طلب الماهية ويدل على ذلك ما ذكره الحاجبي والعضدي و غيرهما في الجواب عن الاحتجاج الآتي كما سيأتي فإنه يشعر بالتزامهم بدلالته على الاستقبال ومنع الاختصاص بالحال هذا والتحقيق أن صيغة الامر لا دلالة لها على الزمان وضعا أصلا وإنما يفهم منه الزمان التزاما من حيث عدم انفكاك الفعل في الخارج عنه ولو غالبا يدلك على ذلك بعد مساعدة التبادر عليه أن خصوص الفور والتراخي غير مفهومين منها قطعا و اعتبار الزمن المشترك بينهما في معناها مما لا جدوى فيه لعدم انفكاك طلب الفعل عنه لامتناع توجه الطلب إلى الزمن الماضي فهو مختص به في نفسه عقلا و عادة فلا حاجة إلى تخصيص الواضع بخلاف الماضي والمضارع فإن مفادهما الاخبار بوقوع الحدث وهو في نفسه لا يختص بزمان فاختصاص كل زمان دليل على تخصيص الواضع إياه به وعلى هذا فالوجه أن يمنع إجماع النحاة أو صحته ويمكن أن يجاب حينئذ بأن فعل الامر مقترن بالزمان بحسب الأصل أما الغائب منه فظاهر وأما الحاضر فلانه عند التحقيق فعل مضارع مصدر باللام فحذفت اللام تخفيفا وحرف المضارعة تبعا كما يقول به الكوفيون وأبو الحسن فهو بحسب الأصل دال على الزمان وإن تجرد عنه بعد دخول لام الطلب عليه لصيرورته إنشاء والافعال الانشائية مجردة عن الزمان كبعت و اشتريت ونحو ذلك وهذا القول ذكره ابن هشام في بحث اللام المفردة من كتابه ووجهه بأن الامر معنى حرفي فحقه أن يؤدى بحرف ولأنه أخو النهي ولا يدل عليه إلا بالحرف ولأنه يجزم بالحذف في معتل اللام ولم يعهد البناء بالحذف ولأنه قد ينطبق بأصله كقراءة بعضهم فبذلك فلتفرحوا وقوله لتقم أنت يا بن خير قريش وهذا قريب لكن لا يتم الوجه الثاني على هذا البيان التاسع أن كل مخبر كالقائل زيد قائم وعمرو في الدار وكل منشئ كالقائل أنت طالق وأنت حر إنما يقصد الزمان الحاضر فكذلك الامر حملا له على الأعم الأغلب وأجيب عنه أولا بأنه قياس في اللغة حيث قيس الامر على غيره من الخبر والنشاء في دلالته على الفور وهو باطل و فيه نظر لان الدليل المذكور استقراء لا قياس كما يظهر من دعواه الأغلبية وعدم تعرضه للجامع وثانيا ببيان الفارق وهو أن الامر إنما يتوجه إلى الاستقبال دون الحال لامتناع تحصيل الحاصل وحينئذ فيحتمل مطلق الاستقبال والأقرب منه إلى الحال الذي هو عبارة عن الفور فلا يصار إلى الثاني إلا بدليل وفيه أيضا نظر لان المعتبر هي الحال العرفية واعتبارها في كثير من الأوامر ممكن ويمكن إتمام القول في الباقي بعدم القول بالتفصيل بل التحقيق في الجواب المنع من تحقق الغلبة المذكورة بحيث يصلح مستندا للالحاق لشيوع الاخبار عن الماضي والاستقبال احتج السيد بأن الامر قد استعمل تارة في الفور وأخرى في التراخي وظاهر الاستعمال أن يكون حقيقة فيهما على حذو ما مر غير مرة وبأنه يحسن من المكلف أن يستفهم عند فقد القرائن أنه هل أريد منه الفور أو التراخي ولا يحسن الاستفهام إلا مع احتمال اللفظ والجواب أما عن الأول فبالمنع من وقوع استعماله فيهما أولا وإنما المسلم إطلاقه على المقيد بهما و المنع من ظهور الاستعمال في الحقيقة مطلقا الثاني فبأن الاستفهام قد يحسن لدفع الاحتمالات الغير الظاهرة كما مر إليه الإشارة هذا و لقد كان الأنسب بطريقة السيد دعوى اشتراكه بين كل من المعنيين والقدر المشترك لشيوع إطلاقه عليه أيضا تذنيب على القول بأن الامر للفور هل يجب على المكلف إذا لم يأت بالفعل في الوقت الأول أن يأتي به في الوقت الثاني وهكذا أم لا قولان و بنى العلامة وغيره الخلاف على أن قول القائل افعل هل معناه افعل في الوقت الثاني من الامر فإن عصيت ففي الثالث وهكذا أو معناه افعل في الزمن الثاني من غير بيان الحال الزمن الثالث وما بعده فإن قلنا بالأول اقتضى الامر الفعل في جميع الأزمان وإن قلنا بالثاني لم يقتضه فالمسألة لغوية واعترض عليه في المعالم بأن هذا الكلام و إن كان صحيحا إلا أنه قليل الجدوى إذ الاشكال إنما هو في مدرك الوجهين اللذين بني عليهما الحكم لا فيهما فكان الواجب أن يبحث عنه ويمكن دفعه بأن ما ذكروه بيان لمدرك الوجهين فإن القائلين بالفور لما تمسكوا في إثباته بالتبادر تفرع عليه الترديد المذكور وكان المرجع في التعيين إلى أفهامهم إذ لا سبيل لمن أنكر تبادر الفور من الامر إلى تعيين كونه على أحد الوجهين ولو بعد التنزل و التسليم وكأن هذا هو الوجه في عدم ترجيح العلامة لاحد الوجهين لكن يشكل بأنهم تمسكوا على الفور بالتبادر المستند إلى القرائن الحالية كما مر في الدليل الأول فيمكن تعيين أحد الوجهين بعد التنزل والتسليم لكون التبادر ناشئا عن نفس اللفظ أو كون التبادر مع القرينة علامة للحقيقة إلا أن يعتذر بأن القرائن الحالية لما لم تكن منضبطة لاختلافها باختلاف الموارد لم يتجه الترجيح نعم يرد على العلامة أن حجج القول بالفور لا تنحصر في التبادر فلا وجه لقصر البحث عليه وتحقيق المقام أن الوجوه التي تمسكوا بها مما عدا التبادر على تقدير تسليمها مختلفة المفاد فكثير منها بل أكثرها صالحة لكل من المذهبين فإن منها آية الذم وهي إنما تدل على عصيان إبليس بتركه السجود زمن الامر به كما يدل عليه الآية المذكورة إن جعلنا إذ فيها زمانية أو مع الملائكة كما يدل عليه قوله تعالى في آية أخرى ما لك أن لا تكون مع الساجدين ولا دلالة فيها على سقوط التكليف به
(٧٨)