الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٣١
الجهل بناء على شرطيته فالرواية لا عموم لها بالنسبة إلى ذلك احتج الآخرون أيضا بوجوه منها أن التكاليف معلومة الثبوت بالضرورة والأصل حرمة العمل فيها بغير العلم خرج العمل بقول المجتهد بالاجماع فيبقى غيره تحت عموم المنع والجواب أنه إن أريد بالعمل بقول المجتهد وقوع العمل موافقا لقول مجتهد يرجع إليه العامل ولو بعد العمل فهذا لا ينافي صحة العمل مع الموافقة للتقليد اللاحق وإن أريد موافقته لتقليد مقارن فتحريم غيره فعلا في حق الغافل كما هو محل النزاع غير معقول وتحريم الواقعي الشأني في حقه يستلزم اشتراط مطلوبية العمل بالتقليد وقضية ما مر نفيه كما عرفت ومنها أن القول بمعذورية الجاهل يستلزم أحد المحذورين أما سقوط جل التكاليف أو تأثير الامر الغير الاختياري في ترتب العقاب وعدمه و التالي بقسميه فاسد أما الملازمة فلانا إذا فرضنا جاهلين بشرط واجب أصابه أحدهما عند الاتيان بالواجب دون الاخر كما إذا كانا جاهلين باشتراط الفريضة بالوقت أو بوجوب مراعاته فصلى أحدهما فيه والاخر في خارجه فإما أن يستحقا العقاب أو لا يستحقاه أو يستحقه أحدهما دون الاخر وعلى الأول يثبت المطلوب وهو عدم كفاية إصابة الواقع من غير طريق معتبر وعلى الثاني يلزم المحذور الأول لان سقوط العقاب يستلزم سقوط الوجوب فيلزم سقوط جل التكاليف لامكان تطرق الجهل إلى كل فعل من أفعال الصلاة و شرائطها وكذا غيرها من العبادات وعلى الثالث يلزم المحذور الثاني لاستواء الجاهلين في الحركات الاختيارية وإنما حصل مصادفة الواقع كالوقت في المثال وعدمها بضرب من الاتفاق الخارج عن المقدور وأما بطلان الشق الأول من اللازم فلان الالتزام بسقوط جل التكاليف في حق الجاهل مفسدة واضحة لا يشرع لاحد الاجتراء عليها وأما بطلان الشق الثاني فلان تجويز مدخلية الاتفاق في استحقاق الثواب والعقاب مما اتفقت كلمة العدلية على فساده وبراهينهم قاضية ببطلانه و الجواب أن الجاهل بالشرطية إن كان متفطنا لاحتمال الشرطية و لوجوب المراعاة حينئذ ولتحريم الاقدام على العمل قبله فلا ريب في بطلان عبادته من جهة انتفاء قصد القربة في حقه فيبطل فرض مطابقة الواقع في حقه من هذه الجهة وكذا لو علم الاشتراط بالوقت و تفطن لوجوب المراعاة ولو بطريق الاحتمال المنافي لقصد القربة فنختار القسم الأول وقد مر التنبيه عليه وإن كان غافلا عن الشرطية أو تفطن لها لكن اعتقد عدم تحريم الاقدام على العمل قبل المراعاة اخترنا القسم الثاني وهو عدم ترتب العقاب عليهما ويسري ذلك إلى سائر موارد الجهل مع الغفلة ولا مفسدة فيه أصلا بل دعوى ترتب العقاب على الجاهل الغافل مما دل ضرورة العقل و النقل على قبحه وامتناعه والتحقيق صحة صلاة من صادف الوقت حينئذ مع استجماعها لبقية الشرائط فيترتب عليها ثواب الصلاة الصحيحة و أما من صلى قبل الوقت فلا ريب في بطلانها وعدم استحقاق فاعلها عليها ثواب الصلاة الصحيحة وإن ترتب عليها ثواب الذكر والقرأة و الخضوع وحينئذ فربما تطرق الاشكال في الفرض المذكور في جانب الثواب نظرا إلى أن التقدير تساويهما في الأفعال الاختيارية و مصادفة أحدهما للوقت دون الاخر خارج عن القدرة حيث إن التقدير غفلتهما عنه بالكلية فترتب ثواب الصلاة على فعل أحدهما بمصادفة الوقت دون الاخر لعدم مصادفته يوجب تأثير الأمور الغير الاختيارية في ترتب الثواب وهو خارج عن قانون العدل على ما ذكره والجواب أن الفعل إذا استند إلى الاختيار كان لوازمه و خصوصياته بأسرها مستندة إليه فيكون الجمع اختياريا صادرا عنه باختيار الفعل وإرادته ولا يلزم في كون أمر اختياريا ملاحظته حين الاتيان به تفصيلا أو أصالة بل يكفي ملاحظته ولو إجمالا أو تبعا وتساوي العاملين في الاختيار لا يوجب تساويهما في العمل المختار الذي هو منشأ لترتب الآثار بل آثار كل عمل من استحقاق المدح والثواب أو الذم والعقاب ترتب عليه عند صدوره عن المختار العالم بالحال وأما الآثار التي يعتقد ترتبها على العمل مع خلوه عنها في نفسها فالذي يتقوى في النظر أن هناك تفصيلا وهو أن الاعتقاد إن كان بطريق ثبت اعتباره شرعا كالاجتهاد والتقليد المعتبرين فلا إشكال في ترتب ثواب العمل بالطريق عليه بل الظاهر ترتب ثواب العمل الصحيح عليه لان العامل أتى به برجائه فيؤتى ثوابه كما يستفاد من أخبار التسامح في أدلة السنن وإن كان بطريق غير معتبر فترتب الاجر عليه في غير المحرمات غير معلوم وإن كان بالنظر إلى فضله تعالى غير بعيد وأما بالنسبة إلى المحرمات فينبغي القطع بعدم استحقاق الاجر لا سيما إذا كان من الكبائر كما لو اعتقد الوثني وجوب عبادة الأوثان أو المخالف وجوب إطاعة مشايخه فإنه لا يستحق الثواب بعمله قطعا هذا إذا اعتقد الوجوب أو الندب وأما إذا اعتقد التحريم فلا يبعد استحقاقه العقوبة بفعله وإن كان بطريق غير معتبر نظرا إلى حصول التجري بفعله إلا أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة فإنه لا يبعد عدم ترتب العقاب على فعله مطلقا أو في بعض الموارد نظرا إلى معارضة الجهة الواقعية للجهة الظاهرية فإن قبح التجري ليس عندنا ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبار فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل فحسب أنه ذلك الكافر فتجري ولم يقدم على قتله فإنه لا يستحق الذم على هذا التجري عقلا عند من انكشف له الواقع و
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»