الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٣٤
المكلف له وعدمها وقد قرر له طرقا إلى إصابته كالعلم والاجتهاد و التقليد المعتبرين فإذا أتى به المكلف من غير أن يعول على شئ من الطرق المعتبرة لجهله بها وجب عليه الرجوع إليها بعد التفطن ليتمسك في إثبات برأته وخروجه عن عهدة التكليف بطريق معتبر لانكشاف بطلان ذلك الطريق عنده فيجب عليه الرجوع إلى طريق العلم وما في مرتبته مع الامكان ومع تعذره يرجع إلى طريق الاجتهاد إن كان من أهله وإلا فإلى طريق التقليد ونسبة الجميع إلى الأعمال المتقدمة والمتأخرة نسبة واحدة وما يدل على حجيتها يدل عليها في المقامين نعم يعتبر في اعتبار الاجتهاد والتقليد المتأخرين عدم مصادفة العمل حين وقوعه لاجتهاد أو تقليد مقارن فإنهما حينئذ لا يعتبران بالنسبة إليهما ما لم ينتهيا إلى حد القطع كما مر ثم منعه صدق الفوات في حق الغافل والنائم والناسي غير جيد ولتفصيل الكلام فيه مقام آخر وأما عن الخامس فبأن مفاد تلك الأخبار عدم تعلق التكليف والحكم بالمكلف تعلقا فعليا ما دام جاهلا أو محجوبا عنه العلم لا مطلقا وإلا لكان مفادها سقوط التكاليف عن الجاهل بها ولو في آن من أوان التكليف وهذا مع فساده في نفسه مما لا يفهمه من العبارة من كان له أدنى مسكة ودراية فلا يستفاد منها سقوط التكليف بعد انكشاف الخلاف حتى يترتب عليه سقوط التدارك ثم إن الفاضل المذكور نقل في المقام الفرق بين مطابقة عمل الجاهل للواقع وعدمها بأن لخصوصية الأعمال الموظفة مدخلا في التكميل وإفادة القرب دفعا للترجيح من غير مرجح فمع المخالفة لا يحصل ذلك كما لا يحصل خواص المعاجين والأدوية المركبة عند الأطباء عند انتقاص جز منها فيجب على الجاهل التدارك عند انكشاف الخلاف تحصيلا لفوائد العمل ثم أورد عليه أولا بأن هذا الوجه كما يقتضي المحافظة على أجزأ العبادة كذلك يقتضي المحافظة على شرائطها التي من جملتها نية القربة وهي منتفية في حق الجاهل المقصر فلا يتجه الحكم بالصحة في صورة الموافقة مطلقا وثانيا بأن ماهية العبادة التي هي منشأ لآثارها المقصودة إن كانت متحدة في الواقع اتجه الاشكال المذكور على المجتهدين المختلفين فيها أيضا وإن كانت مختلفة بحسب اختلاف الآراء فلم لا يكون مختلفة بحسب مختلف الجاهل أيضا وهل المستند في جواز عمل المجتهد بظنه إلا لزوم التكليف بالمحال لولاه وهذا بعينه يجري في حق الجاهل الغافل أيضا فينبغي أن يختلف بالنسبة إليه أيضا هذا محصل كلامه أقول أما الايراد الأول فالظاهر عدم وروده على الفرق المذكور لان قضية فرض مطابقة عمل الجاهل للواقع يغني عن اشتراط كونه بحيث يتحقق منه قصد القربة وأما الثاني فلا خفاء في سقوطه لأنا نختار القسم الأول ونمنع مطابقة عمل الجميع في صورة الاختلاف للواقع بل هذا قضية قول كل من أبطل التصويب و غاية ما يمكن توهم وروده على ذلك لزومهم كونهم آثمين حينئذ لعدم الاتيان بالماهية الواقعية أو عدم استحقاقهم للثواب على عبادتهم الغير المطابقة أو وجوب التدارك عند انكشاف الخلاف ولا ريب أن عذر الجهل يرفع الاثم وعدم استحقاق ثواب العمل الصحيح لا ينافي استحقاق ثواب العمل بالطريق مضافا إلى ما عرفت من أن الظاهر من بعض الاخبار ترتب ثواب العمل الصحيح عليه ووجوب تدارك المجتهد مع انكشاف الخلاف بطريق القطع مما لا مفسدة فيه وبدونه لا يجب التدارك كما سبق تحقيقه ثم اعلم أن قضية إطلاق كلام الفاضل المذكور وإطلاق دليله عدم الفرق بين ما إذا قطع الجاهل الغافل بعد العمل ببطلان عمله السابق واقعا كما إذا صلى من غير ركوع معتقدا أن الصلاة الشرعية لا ركوع لها أولا كما إذا ترك السورة معتقدا عدم وجوبها وفساد دعواه في القسم الأول معلوم بالضرورة والظاهر عدم مصير أحد من المنتسبين إلى الاسلام إليه إذ يلزم عليه أن من اعتقد قيام بعض الأعمال المنكرة كالزنا أو اللواط مقام الصلاة المفروضة فأتى به بنية البدلية ثم انكشف له بطلان هذا الاعتقاد أجزأه ذلك عن صلاته وإن كان الوقت باقيا وفساد هذا مما لا يكاد يشتبه على جاهل فضلا عن عالم واعلم أنه قد يستدل على الاشتراط بصحيحة زرارة المتقدمة في الأدلة العقلية حيث تضمنت أن من لم يوال ولي الله ولم يكن جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولم يكن من أهل الايمان ووجه الاستدلال أن العامل الذي أخذ أحكامه بغير الطرق الشرعية ليس عمله بدلالة ولي الله إليه لأنه إنما يدل إلى الاخذ بالطرق المعتبرة فلا يستحق الثواب على ما أفاده الرواية وهو يستلزم الفساد والجواب أن هذه الرواية غير واضحة الدلالة على المراد لأنه عليه السلام إنما نفي استحقاق الثواب في حق من لم يوال ولي الله و لم يكن عمله بدلالته إليه وهو لا يقتضي نفى الثواب في الموالي الذي لا يكون عمله بدلالته إليه إذ الظاهر من اللفظ اعتبار الامرين معا في الشرطية لا يقال يكفي في ترتب الحكم المذكور عدم الموالاة فلو لا استقلال العمل بغير دلالته عليه بذلك لكان اعتباره في الشرطية لغوا لأنا نقول ينافي اعتبار الاستقلال حكمه عليه السلام بعدم الايمان فإن الاجماع قائم على إيمان الموالي الذي عمل بغير دلالته عليه السلام لا سيما مع الغفلة ولا سبيل إلى حمل الايمان فيها على الايمان الكامل لان غير الموالي لا إيمان له أصلا فيمكن أن يكون حينئذ اعتباره عليه السلام لعمله من غير دلالة ولي الله إليه تأكيده لما ذكره أولا من عدم موالاته له لكونه من خواصه ولوازمه فلا ينافي مما ذكرناه ويمكن أيضا جعل الحكم الأول مترتبا على كل من الامرين على الاستقلال والثاني مترتبا على الأول خاصة فيدل على
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»