ولأن الناس مأمورون بالتمسك بالعترة والتمسك بمن يتمسك بهم بخلاف من يتمسك بهم وبغيرهم أو يقتصر على التمسك ببعضهم فإنه ليس تمسكا بهم وأما ما قيل في مثل أبان مع كونه ناووسيا من اجتماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه والاقرار له بالفقه فغير مناف لما قررناه لان المراد تصحيح ما يصح عنه من الروايات دون الفتاوى ولا يلزم من جواز تعويل المفتي على رواياته جواز تعويل المقلد على فتاويه لان تعويل المفتي على الرواية مشروط بالفحص و عدم الظفر بالمعارض وما يوجب القدح في العمل بها فيتدارك ضعفها من حيث فساد مذهب الراوي بذلك بخلاف تعويل المقلد على الفتوى فإنه تعبدي محض فيبقى التعويل في حقه بلا تدارك و ليس في إقرارهم له بالفقه ما يدل على حجية فتواه عندهم لعدم الملازمة بين الامرين فإن قبول الفتوى مشروط بالعدالة وليست الفقاهة مشروطة بها ومنها أن يكون بالغا فلا عبرة بفتوى الصبي وإن وجدت فيه بقية الشرائط لعدم شمول الأدلة له ولأنه لا يقبل روايته فلا يقبل فتواه بطريق أولى ويعتبر قطعياته في حق نفسه وفي ظنياته وجهان ومنها العدالة فلا يعتبر فتوى الفاسق وإن وجدت فيه بقية الشرائط لجواز قوله بخلاف معتقده أو تقصيره في الاجتهاد ولاية النبأ بناء على شموله للفتوى ولو علم بتحرزه عن التقصير والاجتهاد والقول بخلاف المعتقد مطلقا أو في خصوص فتوى فوجهان من الشك في حجيتها لعدم قيام قاطع عليها فيقتصر على حجية ما قطع بحجيته وهي فتوى العادل من أن العدالة إنما تعتبر للوثوق بعدم التقصير والقول بخلاف المعتقد وكلاهما منفيان في محل الفرض فيندرج في عموم الأدلة لا يقال لعل لوصف العدالة مدخلا في حد ذاتها أو لجهة أخرى لم نعثر عليها كما في الشهادة فإن قبولها مشروط بعدالة الشاهد فلا تقبل بدونها وإن علم بتحرزه عن تعمد الكذب و الشهادة بدون العلم نعم لو علم بمطابقة شهادته للواقع قبلت عنه كما تقبل في المقام ولو علم بمطابقة الفتوى للواقع لأنا نقول قد قام الدليل في الشهادة على اعتبار العدالة فيها مطلقا ولا دليل هنا على اعتبارها مطلقا فيبقى عموم آيتي أهل الذكر والانذار و فحاوي الأخبار الدالة على حجية فتوى من أفتى بعلم بلا معارض في محل البحث والفرق بينه وبين غير المؤمن بعد وجود الايمان المصحح للتعويل عليه في الجملة شمول العمومات المذكورة له بخلاف غير المؤمن ويشكل بوجود المعارض وهو إطلاق آية النبأ بناء على شموله للفتوى كما هو الظاهر ويدل عليه قوله تعالى نبئوني بعلم إن كنتم صادقين بعد قوله قل الذكرين حرم الآية فإن مرجع الفتوى إلى الاخبار عن حكمه تعالى بل لا حقيقة لها سواه وإن كان تسميته فتوى باعتبار زائد على كونه خبرا وهو كونه مؤدى الدليل عند المخبر فالمنع من قبول قوله مطلقا أولى ويمكن أن يستدل عليه أيضا بأن الفاسق ظالم لقوله تعالى والفاسقون هم الظالمون و التعويل عليه في الفتوى ركون إليه وهو محرم لقوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتأمل فيه ثم على تقدير عدم جواز التعويل على فتواه فهل يجوز له إفتاء من يرى عدالته ويعول على فتواه وجوه ثالثها التفصيل بين قطعياته وظنياته فيجوز له الافتاء بما قطع به من الاحكام لثبوتها عنده في حق المستفتي واقعا ولا يعقل لوصف العدالة مدخل في ذلك دون ظنياته فإنها إنما تعتبر في حق المستفتي على تقدير عدالته واقعا على ما هو المفروض فإفتاؤه له في قوة بيان ثبوت الحكم في حقه والفرض عدمه لعدم شرطه فيكون إغراء له بالجهل وصدا له عن طلب ما يجب عليه من تحصيل الفتوى المعتبرة في حقه نعم لو كان فسقه بما لا يوجب الفسق في مذهب المستفتي جاز له الافتاء مطلقا لثبوته في حق المستفتي ولو شك المفتي في عدالة نفسه فإن كان لعدم علمه بمعناها وجب عليه معرفتها وإن كان لشكه في ثبوتها فإن ثبت عنده قبل الشك استصحبها وإلا اتجه إلحاقه بالفاسق في الحكم المذكور مع سبق فسقه لأن الشك في وجود الشرط المخالف للأصل لحكم العلم بعدمه لدلالة الأصل عليه هذا و التحقيق أن العدالة شرط في الاستفتاء لا في الافتاء لان آية النبأ إنما تدل على منع قبول نبأ الفاسق بناء على شموله الفتوى كما هو الظاهر لا على منع الانباء وأما المفتي الغير العادل إذا لم يتصف بعد بالفسق فالوجه إلحاقه بالعادل في جواز التعويل على فتواه ولا حاجة هنا إلى اشتراط الوثوق بعدم التقصير والقول بخلاف المعتقد إذ الفرض عدم اتصافه بالفسق واقعا لكن الفرض مع بعده مما يبعد اطلاع غيره عليه عادة فالحكم المذكور إنما يثمر في حق نفسه في جواز إفتائه بناء على منعه في حق الفاسق وأما مجهول الحال فالوجه إلحاقه بالفاسق كما في الرواية ولو تعذر الوصول إلى فتوى العادل مطلقا حيا وميتا جاز التعويل على فتوى الفاسق مع الضرورة و حصول الظن بعدم تقصيره وموافقة قوله لمعتقده ولو دار الامر بينه و بين عمل المتجزي بظنه وحج عليه بظنه ومنها أن يكون ضابطا فلا عبرة بفتوى من يكثر عليه السهو إلا مع الامن منه فيما يرجع إليه و وجهه واضح مما مر في خبر الواحد ومنها أن يكون مجتهدا مطلقا بأن يكون عنده ملكة يتمكن بها من رد الفروع إلى الأصول على الوجه المعتد به في عرف الفقهاء فلا يجوز تقليد غيره وإن كان عالما بالحكم عن طريق معتبر كالمقلد والمتجزي المعتقد لحجية ظنه أو القاطع بالحكم اقتصارا فيما ثبت الاشتغال به وهو التقليد على ما يقطع معه بحصول البراءة وهو تقليد المجتهد المطلق ويشكل بأن قضية عموم آية الانذار جواز التعويل على فتوى كل عالم
(٤١٨)