تعليق القلادة في العنق وعرفوه عرفا بالأخذ بقول الغير من غير حجة وينبغي أن يراد بقوله فتواه في الحكم الشرعي ولو أبدل به لكان أولى فإن هذا هو المعنى المتداول في العرف والمبحوث عنه في المقام وقد يطلق التقليد على الاخذ بقول الغير في الموضوع الشرعي كقول الفقهاء الأعمى يقلد في معرفة الوقت والقبلة ولعله مجاز في المعنى المتقدم وعليه فيخرج الاخذ بقول الراوي والشاهد وحكم الحاكم أيضا فإن شيئا من ذلك لا يسمى تقليدا قال العضدي بعد ذكر التعريف المذكور وعلى هذا فلا يكون الرجوع إلى الرسول و الاجماع ولا رجوع العامي إلى المفتي والقاضي إلى الشاهد تقليدا لقيام الحجة على ذلك كله ولو سمي ذلك أو بعض ذلك تقليدا فلا مشاحة انتهى ملخصا أقول قولهم في الحد من غير حجة معناه من غير حجة على القول كما هو الظاهر لا على الاخذ كما زعمه العضدي على ما يظهر من تفريعه وعلى هذا فلا إشكال في دخول أخذ العامي بفتوى المجتهد لأنه أخذ بقوله من غير حجة على قوله وإن كان له حجة على الاخذ به ويخرج الاخذ بقوله صلى الله عليه وآله لان برهان العصمة حجة على صحة قوله كما أنه حجة على وجوب الاخذ به أيضا ومثله الكلام في الاخذ بقول الامام بل كل من ثبت عصمته و بقول المجمعين على طريقة أهل الخلاف لا يقال يجري مثل هذا البيان في أخذ العامي بقول المفتي فيلزم خروجه أيضا فإن ما دل على وجوب أخذه بقوله دل على ثبوت فتواه عليه بمعنى أنه حكم الله في حقه ولو ظاهرا فيكون له حجة على القول أيضا لأنا نقول إنما يثبت قول المفتي على العامي ويصير في حقه حكما شرعيا بعد أخذه به فهو يأخذ ما لا دليل عليه حال الاخذ وإن قام عنده الدليل عليه بعده بخلاف الاخذ بقول المعصوم عليه السلام والاجماع فإن برهان العصمة حجة على صحة قوله سواء أخذ به أم لا وكذلك الاخذ بحكم الحاكم وقول الشاهد وإخبار ذي اليد وما أشبه ذلك فإن ما دل على حجيتها دل على ثبوت مقتضاها في الظاهر أخذ به أو لم يؤخذ ويمكن إخراجه عن الحد أيضا بتفسير القول بما ذكرناه هذا واستشكل الفاضل المعاصر بعد البناء على ما ذكره العضدي في قولهم يجوز التقليد في الفروع ولا يجوز في الأصول بأنه إن أريد به الاخذ بقول الغير من غير حجة لم يجز فيهما وإن أريد الاخذ به مع الحجة جاز فيهما ثم تفصى عنه بحمل التقليد هناك على معنى آخر وهو الاخذ بقول الغير مجردا عن اعتبار القيدين وقد اتضح لك ضعفه مما قررنا واعلم أنه لا يعتبر في ثبوت التقليد وقوع العمل بمقتضاه لان العمل مسبوق بالعلم فلا يكون سابقا عليه ولئلا يلزم الدور في العبادات من حيث إن وقوعها يتوقف على قصد القربة وهو يتوقف على العلم بكونها عبادة فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دورا نعم يعتبر العمل في لزوم حكم التقليد إن قلنا بجواز العدول وإلا لزمه حكمه مطلقا هذا وقول العلامة في النهاية بأن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة معلومة بيان لمعناه اللغوي كما يظهر من ذيل كلامه وإطلاقه على هذا شائع في العرف العام فصل لا ريب في جواز التقليد لغير المجتهد في الفروع مع عدم حضور المعصوم في مجلس التقليد للقطع ببقاء التكليف بالأحكام وانسداد طريق تحصيلها في حق غيره بغير طريق التقليد غالبا ولجريان طريقة السلف عليه من غير نكير ولأن في أمر الكل بالاجتهاد حرجا على الأنام وإلزاما بما فيه إخلال بالنظام ولعموم قوله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بناء على أن المراد بأهل الذكر أهل القرآن من العلماء كما نص عليه جماعة وقد مر الكلام فيه ولقوله تعالى في آية النفر ولينذروا قومهم المتناول للانذار بطريق الفتوى أيضا وللاخبار المستفيضة الدالة عليه صريحا و فحوى فمنها قول أبي جعفر عليه السلام لأبان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك و منها أنهاك عن خصلتين إلى أن قال وأن تفتي الناس بما لا تعلم ومنها إياك أن تفتي الناس برأيك ومنها من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنه ملائكة الرحمة الحديث ومنها من أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك إلى غير ذلك مما يدل على جواز الفتوى وقبولها من أهلها وربما خالف في ذلك شرذمة شاذة فحرموه وأوجبوا على العامي الرجوع إلى عارف عدل يذكر له مدرك الحكم من الكتاب والسنة فإن ساعد لغته على معرفة مدلولهما وإلا ترجم له معانيهما بالمرادف من لغته وإذا كانت الأدلة متعارضة ذكر له المتعارضين ونبهه على طريق الجمع بحمل المنسوخ على الناسخ والعام على الخاص والمطلق على المقيد ومع تعذر الجمع يذكر له أخبار العلاج على حذو ما مر ولو احتاج إلى معرفة حال الراوي ذكر له حاله وبشاعة هذا القول وفساده بالنسبة إلى أمثال زماننا مما يستغني لوضوحه عن البيان لظهور عدم مساعدة أفهام كثير من العوام على فهم قليل من الاحكام بهذا الوجه مع عدم مساعدة أكثر أوقات العالم على تعليم قليل مما يحتاج إليه بعض العوام ومع ذلك فلا دليل على حجية ظن العامي من الأدلة المنقولة إليه والآيات الدالة على حرمة التقليد معارضة بالآيات الدالة على حرمة العمل بالظن مع أنها واردة في التقليد الذي لا دليل على جوازه وهو تقليد غير أهل العلم كما يدل عليه قوله تعالى قل أ ولو كانوا لا يعلمون شيئا ولا يهتدون و أما رواية الثقلين فلا تنافي جواز التقليد لان الاخذ بقول من يتمسك في قوله بهما تمسك بهما حقيقة كالتمسك بالرواية ويؤيد ذلك
(٤١١)