الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤١٦
وليس في مسألة القدر منها مع أنه صلى الله عليه وآله نهى عن الخوض فيه وهو لا يدل على جواز التقليد فيه بالمعنى المتقدم لامكان إرادة الاعراض عن القول فيه بالكلية أو الرجوع فيه إلى ما دل عليه الكتاب والسنة هذا إذا حصل له الجزم به ثم على القول بحرمة التقليد في الأصول هل يكتفي به في إسلام صاحبه إذا حصل له الجزم به أو لا قولان أظهرهما الأول وقد مر في بعض الوجوه السابقة ما يدل عليه ولم نقف للقول الاخر على دليل إذا عرفت هذا فاعلم أن القول بجواز التقليد في الأصول إنما يناسب طريقة العوام فإن ساحة العلماء بعيدة عن ذلك وحينئذ فالبحث يتعلق بالتقليد تارة باعتبار ما يلزم المقلد العامي عند نفسه ولو بعد تنبيهه عليه وأخرى باعتبار ما يلزم العالم عند رجوعه إليه أو تمكنه من ردعه أما بالنسبة إلى المقام الأول فالظاهر أن العامي إن علم بوجوب النظر عليه و لو من جهة الخوف على عقائده وجب عليه النظر وإلا كان وظيفته في ذلك الرجوع إلى العلماء لان المسألة نظرية يقصر عن معرفتها نظر العامي غالبا ولو تمكن العامي من معرفتها ففي وجوبها عليه نظر و أما بالنسبة إلى المقام الثاني فالتحقيق أن العالم إن وجد المقلد مخطئا في العقائد وتمكن من ردعه وجب عليه ردعه عنها و لو بالتنبيه على عدم الاعتداد في المعارف بالتقليد وإن كثيرا من ذوي الملل الفاسدة يعتمدون على التقليد في إثبات ملتهم فلو كان التقليد مفضيا إلى الصواب لزم أن يكونوا جميعا مصيبين مع أنه محال وإن وجده مصيبا في تقليده للعقائد الحقة ولم نخف على عقائده من طريان التشكيك عليها فالظاهر عدم وجوب إلزامه بالنظر لان المقصود من النظر إنما هو تحصيل العقائد الحقة وقد حصلها بطريق التقليد ووجوب المقدمة تسقط عند الوصول إلى ذيها والأدلة التي تمسكوا بها على وجوب النظر في نفسه مخدوشة بما مر ولو خاف على عقائده بترك النظر فالظاهر وجوب إلزامه بالنظر لأنه مكلف به واقعا وإن جهله واعلم أن المراد بالتقليد هنا الاخذ بقول غير المعصوم أو بقوله مجردا عن دليل يدل على صدقه وإلا فالأخذ بقوله في المعارف بعد إثبات كونه صادقا مما لا نزاع في جوازه ومن هذا الباب قول كثير من أهل الاسلام بالتوحيد والمعاد فإنهم إنما يستندون في إثباتهما إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وهذا مما لا غبار عليه و التحقيق خروج ذلك عن التقليد المصطلح كما نبهنا عليه في الحد فصل محل التقليد في الاحكام الفرعية ما لا علم للمقلد بها من غير جهة التقليد إذا كانت مما يحتاج إليها المقلد في العمل سواء كانت من المباحث المحررة في الأصول كمسائل التقليد أو لا كمسائل الفقه ومثلها مسائل علم الأخلاق وإنما اعتبرنا عدم علمه بها من غير جهة التقليد احترازا عن الاحكام المعلومة عنده بضرورة أو إجماع أو دليل قاطع ولو بالمال كما في المتجزي العالم بحجية ظنه ونظره فإنه لا سبيل إلى التقليد فيها وكذا لو علم ببطلان ما أفتى به مفت بالخصوص ولم يتعين عنده أحد الأقوال المخالفة له فيقلد غيره في غيره وإن كان مفضولا أو ميتا مع الانحصار وإنما يتعين التقليد في حق المقلد حيث لا يتمكن من العمل بالاحتياط وإلا تخير بينه وبين التقليد فإن التحقيق أن الاخذ بالاحتياط مسلك آخر يغني عن الاجتهاد والتقليد في كثير من مواردهما والحصر فيهما كما وقع عن البعض لا مأخذ له والأدلة الدالة على وجوبهما لا تدل على تعيينهما بالنسبة إلى الاخذ بهذه الطريقة وحصول البراءة في العمل بها في مواضعها قطعي بل نقول قضية الأصل الابتدائي هو لزوم السلوك بطريق الاحتياط بقدر الامكان تحصيلا للبراءة اليقينية عن الشغل الثابت بالضرورة الدينية لكن وسعة الشريعة السمحة قضت بعدم تعيينه لأدائه إلى الضيق والعسر وقصور كثير من الناس عن أداء قليله وأما سقوطه بالكلية فلا شاهد عليه بل وفي بعض الاخبار دلالة على عدمه نعم لا بد للعامل بهذا الطريق من علمه بحصول التخلص به ولو بالتقليد إن كان من أهله لئلا يؤدي إلى التشريع وليحصل به اليقين بالبراءة من الشغل المقطوع به ثم من الموارد ما لا يحتمل الاحتياط ومنها ما يحتمله فمن الصورة الأولى ما إذا احتملت الواقعة التي علم بأنها ليست بعبادة للوجوب والتحريم لا من جهة التشريع أو من جهته قبل مراجعة الأدلة والفتاوى والعلم بأن المقام مقام الاحتياط فلا يجوز الاحتياط بالفعل في الأول مطلقا وفي الثاني مع قصد القربة به من جهة نفس الفعل أو من جهة حصول الاحتياط به على إشكال في الأخير ومنها ما إذا دار الامر بين أن يكون الفعل عبادة واجبة وبين أن يكون مباحا أو مكروها فإنه لا يصح الاحتياط هنا بالفعل إلا بالقيود المتقدمة مع علمه بعدم العبرة بنية الوجه ومنها ما إذا دار الامر في العبادة بين وجوبها وندبها كغسل الجمعة وكان العامل ممن يعتبر نية الوجه اجتهادا أو تقليدا أو لم يثبت في حقه عدمه فليس له الاحتياط بالفعل متقربا به أو معينا لاحد الوجهين للزوم التشريع المحرم فإنه عبارة عن إدخال ما لم يعلم دخوله في الدين فيه على ما هو التحقيق ويدل عليه قوله تعالى أ تقولون على الله ما لا تعلمون وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون إلى غير ذلك وتخصيص بعض الناس له بإدخال ما علم خروجه من الدين فيه ليس بمعتمد ومن الصورة الثانية ما إذا دار الامر بين الوجوب لا بوجه العبادة وبين ما عدا التحريم من الأحكام الثلاثة فله أن يأتي بالفعل لا بقصد الوجوب من جهة نفس الفعل تخلصا عن الاجتهاد و التقليد ولو قصد به الوجوب التخييري من حيث تأدي الاحتياط به
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»