الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٠٩
مشروطا بعلمه به فإن من معظم جهات حسن التشريع حسن الفعل و قبحه وهما كما يلحقان الفعل لجهات لاحقة به مقتضية إياهما بشرط العلم كذلك قد يلحقان الفعل بمجرد العلم فإن القبيح قد يحسن لعلم الفاعل بحسنه ويقبح الحسن لعلم الفاعل بقبحه فالاحكام الواقعية هي الاحكام اللاحقة لمواردها لجهات مقتضية لها بشرط العلم والاحكام الظاهرية هي الاحكام اللاحقة لمواردها لجهة العلم و لا ريب أن الحكم الواقعي بهذا المعنى متعين في كل واقعة لا يختلف بحصول العلم به وعدمه وإن توقف فعليته على حصوله ويعرف الكلام في مانعية الجهل وسببيته بالقياس إلى شرطية العلم وسببيته ثم اعلم أن المراد بالحكم الظاهري ما وجب الاخذ بمقتضاه البناء عليه سواء طابق الواقع أو لا وبالحكم الواقعي ما كان تعلقه مشروطا بالعلم سواء حصل الشرط وتعلق أو لا فالنسبة بينهما عموم من وجه وقد يطلق الحكم الظاهري على ما يقابل الواقعي فيكون بينهما التباين ثم الحكم الظاهري إن طابق الواقع بأن كان هو الحكم الثابت للواقعة بشرط العلم فواقعي أولي وإلا فواقعي ثانوي فالاحكام الظاهرية عند التحقيق بأسرها أحكام واقعية إذ لا يثبت في حق المخطئ الغير المقصر ثبوتا فعليا سواها واعلم أيضا من الاحكام الواردة على وجه التقية ظاهرية إن كانت التقية في بيانها فقط وإلا فواقعية إذ عدم التمكن الشرعي كعدم التمكن العقلي فصل إذا رجع المجتهد عن الفتوى انتقضت في حقه بالنسبة إلى مواردها المتأخرة عن زمن الرجوع قطعا وهو موضع وفاق ولا فرق في ذلك بين أن يكون رجوعه عن القطعي إلى الظني أو من الظني إلى القطعي أو من أحدهما إلى مثله و لا بين رجوعه عن الحكم الواقعي إلى الظاهري أو من الظاهري إلى الواقعي أو من أحدهما إلى مثله ولا بين تذكره لمدارك قطعه أو ظنه السابق وبين عدمه وإن احتمل أن يقال فيما لو لم يتذكر لمدارك قطعه السابق أنه يبني على مقتضى قطعه ما لم يعارضه مستند أقوى لأنه لا يقصر عن نقل الاجماع بناء على حجيته إن لم يكن أولى لكنه لو عول على هذا الاحتمال خرج عن محل البحث لان الكلام على تقدير الرجوع وأما بالنسبة إلى مواردها الخاصة التي بني فيها قبل رجوعه عليها فإن قطع ببطلانها واقعا فالظاهر وجوب التعويل على مقتضى قطعه فيها بعد الرجوع عملا بإطلاق ما دل على ثبوت الحكم المقطوع به فإن الاحكام لاحقة لمواردها الواقعية لا الاعتقادية فيترتب عليه آثاره الوضعية ما لم تكن مشروطة بالعلم ولا فرق في ذلك بين الحكم وغيره وكذا لو قطع ببطلان دليله واقعا وإن لم يقطع ببطلان نفس الحكم كما لو زعم حجية القياس فأفتى بمقتضاه ثم قطع ببطلانه لقطعه بأن حكمه الواقعي حال الافتاء لم يكن ذلك ولأن ثبوت الحكم الشرعي يتوقف على قيام دليل ثابت الحجية عليه فإذا انكشف عدم الدليل انكشف عدم الحكم مع احتمال أن يقال يكفي في ثبوت الحكم كون الدليل ثابت الحجية حال التعويل عليه لا مطلقا و لا يخفى ما فيه وفي إلحاق القطع بقول المعصوم المحتمل للتقية به في المقامين كما قد يستكشف عنه في بعض أقسام الاجماع وجهان و إن لم يقطع ببطلانها أو لا ببطلانه فإن كانت الواقعية مما يتعين في وقوعها شرعا أخذها بمقتضى الفتوى فالظاهر بقاؤها على مقتضاها السابق فيترتب عليها لوازمها بعد الرجوع إذ الواقعة الواحدة لا يحتمل اجتهادين ولو بحسب زمانين لعدم دليل عليه ولئلا يؤدي إلى العسر والحرج المنفيين عن الشريعة السمحة لعدم وقوف للمجتهد غالبا على رأي واحد فيؤدي إلى الاختلال فيما يبني فيه عليها من الأعمال ولئلا يرتفع الوثوق في العمل من حيث إن الرجوع في حقه محتمل وهو مناف للحكمة الداعية إلى تشريع حكم الاجتهاد ولا يعارض ذلك بصورة القطع لندرته وشذوذه و لأصالة بقاء آثار الواقعة إذ لا ريب في ثبوتها قبل الرجوع بالاجتهاد ولا قطع بارتفاعها بعده إذ لا دليل على تأثير الاجتهاد المتأخر فيها فإن القدر الثابت من أدلته جواز الاعتماد عليه بالنسبة إلى غير ذلك فيستصحب وأما عدم جريان الأصل بالنسبة إلى نفس الحكم حيث لا يستصحب إلى الموارد المتأخرة عن زمن الرجوع فلمصادمة الاجماع مع اختصاص مورد الاستصحاب على ما حققناه بما يكون قضيته البقاء على تقدير عدم طرو المانع وليس بقاؤه بعد الرجوع منه لأن الشك فيه في تحقق المقتضي لا في طرو المانع فإن العلة في ثبوته هي ظنه به وكونه مؤدى نظره وقد زالت بعد الرجوع فلو بقي الحكم بعد زوالها لاحتاج إلى علة أخرى وهي حادثة فيتعارض الأصلان أعني أصالة بقاء الحكم وأصالة عدم حدوث العلة وكون العلة هنا إعدادية واستغناء بعض الحوادث في بقائها عن علتها الاعدادية غير مجد لان الأصل بقاء الحاجة لثبوتها عند الحدوث فتستصحب ولا يتوجه مثله في استصحاب بقاء الآثار بعد الرجوع فإن المقتضي لبقائها حينئذ متحقق وهو وقوع الواقعة على الوجه الذي ثبت كونه مقتضيا لاستتباع آثارها وإنما الشك في مانعية الرجوع فيتوجه التمسك في بقائها بالاستصحاب وبالجملة فحكم رجوع المجتهد في الفتوى فيما مر حكم النسخ في ارتفاع الحكم المنسوخ عن موارده المتأخرة عنه وبقاء آثار موارده المتقدمة إن كان لها آثار وعلى ما قررنا فلو بنى على عدم جزئية شئ للعبادة أو عدم شرطية فأتى بها على الوجه الذي بنى عليه ثم رجع بنى على صحة ما أتى به حتى إنها لو كانت صلاة وبنى فيها على عدم وجوب السورة ثم رجع بعد تجاوز المحل بنى على صحتها من جهة ذلك أو بنى على صحتها في شعر الآداب والثعالب ثم رجع ولو في الأثناء إذا نزعها قبل الرجوع و كذا لو بنى على طهارة شئ ثم صلى في ملاقيها ورجع ولو في الأثناء وكذا لو تطهر بما يراه طاهر أو طهورا ثم رجع ولو في الأثناء فلا يلزمه الاستئناف وكذلك القول في بقية مباحث
(٤٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 ... » »»