معلومة عندنا فيكفي لنا نقل أقوالهم إلا أن وقوع الفرضين في الأحكام الشرعية فيما عدا الضروري منها لا يخلو من بعد هذا مع أن الاشكال المذكور لا ورود له على القول بأن الاجماع هو الاتفاق المشتمل على قول المعصوم عليه السلام إذ يكفي فيه نقل القول غاية الامر أنه إذا كان هناك احتمال التقية في حقه كان المستكشف عنه حكما ظاهريا ولا على ما قررناه في معنى الاجماع من أنه الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم بطريق الحدس إذ يكفي فيه اتفاق الذين عرف من طريقتهم الالتزام بالاتباع في الأقوال أو قول يكفي فيه العلم بآراء جماعة يحصل الكشف بآرائهم وإن لم يحصل العلم بآراء الكل ودعوى عدم حصول العلم به أيضا في نقل وفاق الآراء بطريق التواتر والتظافر مجازفة بينة ومكابرة جلية ولو تم ذلك لا نسد باب التواتر بالكلية لان العلم إنما يستفاد من توافق علوم المخبرين و هي مستفادة من أقوالهم فمع تجويز الكذب أو السهو أو التقية على الجميع يرتفع الوثوق بخبرهم إذ لا يحصل العلم بمعتقدهم فلا يحصل العلم بخبرهم فالاشكال المذكور إنما يتم غالبا على القول بأن الاجماع اتفاق الكل كما هو مذهب العامة وهو كما يتجه على منقوله يتجه على محصله أيضا وأجاب عنهم بعض الأفاضل بأن الرواية التي تمسكوا بها على حجية الاجماع من قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطأ كما يقتضي نفي اجتماعهم على الرأي الخطأ كذلك يقتضي نفي اجتماعهم على القول الخطأ فلا حاجة إلى البحث عن مطابقته لمعتقدهم وحينئذ فنقول هذا القول المتفق عليه إن ثبت بالتواتر فقطعي وإلا فظني لظنية طريقه لا لظنية نفسه وهو كالمتن القطعي الثابت بالسند الظني هذا كلامه ملخصا وهو جيد إلا أن تعميم الرواية إلى نفي الاتفاق على القول الخطأ بعيد وأورد عليه الفاضل المعاصر بأنه لا معنى محصل للاجتماع على القول الخطأ إذا أريد منه محض اللفظ إلا إذا أريد به اتفاقهم في كيفية قراءة اللفظ و إعرابه ثم قال ومع ذلك فأي فائدة له في المسائل الفقهية إلا أن يقال فائدته صيرورة المتن قطعيا وإن كانت الدلالة ظنية ولا يخفى ما فيه لظهور أن ليس مراد المجيب بالاتفاق على القول الاتفاق على مجرد ذكر اللفظ وإن علم عدم قصد المعنى لوضوح وقوع هذا الاتفاق في موارد ثبت بطلان مؤداها بالضرورة كالألفاظ الدالة على تعدد الالهة ونفي الرسالة والمعاد وغير ذلك مما ورد ألفاظها بطريق الحكاية في الكتاب العزيز بل المراد الاتفاق على إيراد اللفظ في مساق بيان الحكم وإفادته وإن لم يطابق الاعتقاد واقعا وهذا المعنى مما لا غبار عليه في نفسه وإن كان الظاهر من إطلاق الرواية غيره كما نبهنا عليه وأما تنزيله على الاتفاق على قراءة اللفظ وإعرابه فمع كونه بعيدا عن سياق كلام المجيب مما لا وجه له لأنه إن فرض اتفاقهم على سماع قراءة المعصوم عليه السلام فهذا خبر متواتر لاجماع فإن الاجماع إنما يكون في الفتوى فيكون نقله نقل خبر متواتر لا نقل إجماع وإن فرض اتفاقهم على أن لفظ الكتاب مثلا كذا و إعرابه كذا من غير استناد إلى السماع فهذا يجري فيه ما يجري في الاجماع على سائر الأحكام من جواز عدم مطابقة أقوالهم لآرائهم كما ذكر في أصل الاشكال فلا يجدي فيه الجواب أصلا ومع الاغماض عن ذلك ففائدته في المسائل واضحة على تقدير تحققه إذ قد يصير معه الحكم قطعيا ظاهريا بل واقعيا أيضا فإن اللفظ على بعض التقادير قد لا يحتمل إلا معنى واحدا ولو لقيام الاجماع على بطلان بقية محتملاته قوله إن ثبت بالتواتر فقطعي يعني أن هذا القول المجمع عليه المسوق للكشف عن الحكم الشرعي إن ثبت بالتواتر فقطعي لقطعية طريقه وإلا فظني لظنية طريقه لكونه ثابتا بإخبار من لا يحصل العلم بخبره لا لظنية نفسه إذ المخبر عنه اتفاق الكل على القول وقد فرض أن الدليل القاطع دل على عدم مخالفة مؤداه للواقع فهذا من إثبات القطعي الشأني بالظني الفعلي ونزل الفاضل المذكور هذه العبارة تارة على أن المراد من نفي ظنية نفسه كونه قطعي الدلالة و أورد عليه بأن الفرض قطع النظر عن المراد لعدم القطع به و فيه أن المفروض عدم القطع بكون مفاده مطابقا لمعتقد القائلين وهو لا ينافي القطع بدلالته على الحكم المستفاد منه بعد ملاحظة دليل الاجماع وشموله وأخرى على أن المراد أن الاتفاق على اللفظ يعني على قرأته وإعرابه كما يظهر من بيانه السابق إن ثبت بالتواتر فقطعي بمعنى أنه مقطوع بموافقته للواقع قال وحينئذ لا معنى لقوله وإلا فظني لظنية طريقه لا لظنية نفسه وفيه أن هذا التنزيل إنما نفسده لكونه مما لا يساعد عليه كلام المجيب ولا يجديه كما نبهنا عليه وإلا فهو في نفسه صحيح فإن الاتفاق على القراءة مثلا دليل قطعي عليها في نفسه وإنما الظن في طريق الموصل إلى وقوعه حيث يثبت بالآحاد ثم أورد على هذا التنزيل سؤالا حاصله أن المقام من قبيل نقل الآحاد كون آية من القرآن المعهود بين الناس فإنه نقل قطعي بظني و أجاب بأنه ليس من هذا القبيل بل من قبيل ما ورد في الشواذ من نقل ألفاظ زائدة على ما في النسخ المعهودة إذ ليست الاجماعيات متعينة في الخارج بأشخاصها حتى يفرض حصول الشك في أن ذلك منها أو لا بل الشك في أنها إجماعي أو لا وأنت خبير بأن كلا من السؤال والجواب عند التأمل مما لا محصل له قوله فهو كالمتن القطعي الثابت بسند ظني يعني أن القول المذكور الثابت بنقل الآحاد من قبيل نقل قول المعصوم القطعي المفاد بطريق الآحاد في كون القول في كل من المقامين دليلا قطعيا على الحكم في نفسه وإن كان الطريق إليه نقل الآحاد وهو ظني وأورد عليه الفاضل المذكور بأنه إن أراد بالمتن القطعي الصدور فهو لا يجامع فرض كون السند ظنيا وإن أراد القطعي من حيث الدلالة والمفروض عدمه وفيه أن المراد كونه قطعي الدلالة على الحكم لقيام دليل الاجماع عليه وليس في كلام المجيب نفي كون الاجماع على القول قطعي الدلالة على ثبوت الحكم كيف وهو في صدد إثبات كونه قطعي الدلالة عليه وإنما المفروض في كلامه عدم كونه قطعي الدلالة على ثبوته في معتقد القائلين و الفرق بينهما جلي جدا والنظر إنما هو بحسب الاعتبار الأول فتبصر و لا تغفل واعلم أن قول المجيب إن ثبت بالتواتر فقطعي وإلا فظني بظاهره
(٢٦٢)