الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٦٤
فبطل قولكم يحتملهما فإن الواو يفيد الجمع وجوابه أن المراد الاحتمال في نظر العقل كما مر والمستحيل إنما هو اجتماع الامرين المحتملين دون نفس الاحتمالين وأجيب أيضا بأن الواو للترديد و ضعف بأنه لا معنى للاحتمال حينئذ ومنها أن من الخبر ما لا يحتمل الصدق عند العقل كقولنا الواحد ضعف الاثنين ومنه ما لا يحتمل الكذب كقولنا الواحد نصف الاثنين فلا ينعكس الحد وجوابه أن تلك الأخبار إذا لوحظت بأنفسها وجرد النظر عن ملاحظة ما هو الواقع كانت محتملة لهما وإليه يرجع ما قيل من أن المراد ما يحتملهما باعتبار الهيئة وإن لم يحتملهما باعتبار المادة فلا محذور ومنها أن قولنا زيد أفضل من عمرو خبر قطعا ولا يحتمل الكذب إذ يصح أن يقال ما فضلت زيدا وجوابه أن للكلام المذكور مدلولين أحدهما مطابقي وهو اتصاف زيد في الواقع بوصف الأفضلية وهذا المعنى يحتمل الصدق والكذب قطعا وليس بمنفي في قوله ما فضلت زيدا و إنما هو منفي في قولك ما زيد بأفضل من عمرو الثاني الترامي و هو تفضيل المتكلم إياه على عمرو بمعنى إيراده بلفظ دال على ذلك وظاهر أن هذا المعنى لا يحتملهما وهو المنفي الممنوع صحة نفيه في قوله ما فضلت زيدا وحيث إن العبرة في عدد الكلام خبرا أو إنشاء بالمعنى المطابقي كان الكلام المذكور مندرجا في الخبر وبهذا الجواب يندفع الاشكال بكل إنشاء ينشأ من الاخبار وإخبار ينشأ من الانشاء فإن قولك تمنيت كذا إخبار عن إنشاء وهو إنشاء إخبار و قولك ما أحسن زيدا إنشاء تعجب ويلزمه الاخبار عن وقوعه ووقوع موجبه إلى غير ذلك ومنها أن طرد الحد منقوض بالصفة و شبهها نحو يا زيد العالم فإنه ليس بخبر قطعا مع أنه يحتمل أن يطابق الواقع وذلك بأن يكون زيد عالما في الواقع وأن لا يطابقه بأن لا يكون عالما وجوابه أن المعتبر في الصدق والكذب ليس مطلق المطابقة وعدمها بل مطابقة النسبة التامة وعدمها والنسبة الوصفية وشبهها ناقصة بدليل عدم صحة السكوت عليها فلا يشكل الحد بها و قد يجاب بأن النسبة الوصفية وشبهها من حيث نفسها لا يحتمل المطابقة وعدمها وإنما يتطرق ذلك إلى ما يلزمها من الاخبار وهذا راجع إلى ما نبهنا عليه في الحد السابق ومنها أن التعريف دوري لاشتماله على الصدق والكذب المعرفين بمطابقة الخبر للواقع و عدمها فيتوقف معرفته على معرفتهما ومعرفتهما على معرفته و جوابه أن الصدق والكذب يمكن أن يعرفا بمطابقة الكلام أو النسبة الحكمية للواقع وعدمها فيندفع الدور وتوضيح ذلك أن المقصود بهذا التعريف ليس بيان حقيقة الخبر لعدم مساعدته عليه ولا تميزه في حد نفسه لوضوحه كسائر التراكيب بل المراد بيان مدلول لفظ الخبر واللازم حينئذ أن يتوقف معرفة مدلول لفظ الخبر على معرفة الصدق والكذب ومعرفتهما لا يتوقف على معرفة مدلوله بلفظه بل على معرفته ولو بلفظ آخر فلا دور ومنهم من رام التفصي عن ذلك فعدل عن الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب وهل هو إلا كر على ما فسر ومنها أن أحد لفظي الصدق والكذب مستدرك لتمام التعريف بدونه وجوابه إن جي باللفظين لحسن المقابلة وتوضيح الدلالة ومراعاة لجانب الاحتمال فإنه لا يتحقق فيما دون أمرين و منها أن عكس الحد منقوض بمثل قول القائل كلامي غدا صادق إذا كان كلامه في الغد كلامي أمس كاذب فإن كلا منهما خبر قطعا ولا يحتمل الصدق والكذب إذ يلزم من صدق كل منهما كذبه وهو محال وجوابه أن المراد ما يحتملهما بالقياس إلى نفسه فلا يقدح عدم احتمالهما بعد ملاحظة الخارج كما عرفت نظيره في عدم احتماله لأحدهما ولا ريب أن كلا من الخبرين المذكورين إذا لوحظ في نفسه كان محتملا لهما وإن لم يحتملهما بعد ملاحظة كونه مأخوذا بالقياس إلى الاخر فلا إشكال هذا هو التحقيق في الجواب ولجماعة في دفع هذا الاشكال تكلفات بعيدة لا جدوى في إيرادها تنبيه الأكثرون على أن صدق الخبر مطابقته للواقع وكذبه عدم مطابقته له وهو الأقرب وخالف في ذلك النظام فجعل صدق الخبر وكذبه عبارة عن مطابقته لاعتقاد المخبر وعدمها و ذهب الجاحظ إلى أن الصدق عبارة عن مطابقة الاعتقاد والواقع و الكذب عبارة عن مخالفتهما والظاهر من الاعتقاد هو الطرف الراجح وقد صرح به بعضهم فيتناول الظن والجزم بأقسامه الثلاثة من العلم والتقليد والجهل المركب فعلى المذهب المختار لا واسطة بين صدق الخبر وكذبه وكذا على القول الثاني إن أراد بعدم مطابقة الاعتقاد ما يتناول صورة عدم الاعتقاد كما صرح به بعضهم وإلا كانت هي الواسطة وأما على المذهب الأخير فثبت الواسطة حيث لا يطابق الواقع والاعتقاد وإن كان لعدم الاعتقاد كما صرحوا به فالأقسام ستة وتتحقق الواسطة في أربعة منها وهي ما إذا خالف الواقع والاعتقاد مع مطابقة الثاني في الأول أو الأول في الثاني أو مصادفة عدم الاعتقاد مع موافقة الواقع لنا على ما اخترناه شهادة العرف والاستعمال به فإنا نقطع بأن الكافر إذا أخبر بأن الاسلام حق عد صادقا بحيث لا يصح سلبه عنه من غير تأويل وصح سلب كونه كاذبا مع أنه لا يعتقد به وإذا أخبر بخلافه عد كاذبا وصح سلب كونه صادقا كذلك مع أنه يعتقد به وإذا ثبت ذلك عرفا ثبت لغة وشرعا بضميمة أصالة عدم النقل مع أنه لا قائل به فإن قيل قد صرح الحافظ بأن المعارف بديهية فيتحقق موافقة الاعتقاد في الأول ومخالفته في الثاني أيضا فلا يتم الاحتجاج المذكور عليه قلنا بداهة المعارف على تقدير تسليمها لا يوجب العلم بها من غير واسطة كما تقرر في محله في تحقيق البديهي فيجوز عدم العلم بها لعدم الاطلاع على ما يوجب العلم بها كالمعجزة أو لقيام شبهة رادعة للنفس عن الاذعان بمقتضاها وبالجملة فنحن نقرر الدليل فيما إذا صدر القول المذكور عمن لا يعتقد حقيقة دين الاسلام ودعوى عدم تحققه مكابرة جلية و احتج النظام بقوله تعالى والله يشهد إن المنافقين لكاذبون حيث إنه تعالى نسبهم إلى الكذب في قولهم نشهد إنك لرسول الله وظاهر أن كذبهم ليس لمخالفة كلامهم
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»