فقصور دلالتها على ما ذكروه أوضح وحملها على المعنى المتقدم ممكن وأما العقل فتقرر بوجهين الأول أن العادة مخيل اجتماع الكل على الحكم الشرعي من غير دليل قاطع لما ترى من اختلاف أنظارهم وأفكارهم فإن الدليل الظني مما لا يتفق التوافق عليه عادة و فساده واضح لجواز توافقهم عن دليل ظني أجمعوا على حجيته كخبر الواحد أو عن أدلة ظنية عول كل فرقة منهم على بعضها ولا يستفاد القطع من مجموعها وبالجملة لا نسلم قضاء العادة في جميع الموارد بعدم الاتفاق عن دليل ظني نعم قد يكشف الاجماع عن كون المستند قطعيا لكنه لا يثبت المقصود وهو كون الاجتماع حجة على الاطلاق الثاني أن الجميع قد أطبقوا على القطع بتخطئة المخالف للاجماع والعادة تخيل اجتماعهم على القطع بحكم شرعي من غير دليل قاطع وأورد عليه أمران الأول أن الشيعة وغيرهم كبعض الخوارج والنظام قد منعوا من حجيته فكيف يدعى إطباق الجميع و أجاب عنه بعض من أخذته الحمية لدين آبائه وغشي بصيرته التحفظ لطريقة كبرائه بأن هؤلاء لشرذمة قليلون من أهل البدع والأهواء قد نشئوا بعد اتفاق الآراء فلا يعتد بهم ولا بخلافهم وأنت خبير بأن ما نسبوه إلينا من إنكار حجية الاجماع افتراء منهم علينا كسائر مفترياتهم في ترويج طريقتهم الكاسدة وتصحيح مبتدعاتهم الفاسدة فإنا لا ننكر حجية الاجماع مطلقا وإنما ننكر حجيته من حيث كونه إجماعا وننكر انعقاده في زمن الغيبة بمجرد اتفاق العلماء المشاهدين مع أن منا من يعتد به في الحجية كما عرفت والثاني أنه إثبات حجية الاجماع بالاجماع وأنه دور وجوابه واضح لان حجية هذا الاجماع على ما عرفت من الدليل ليس لحجية مطلق الاجماع بل لكشفه عن الدليل القاطع فلا يلزم الدور أقول ويرد عليه المنع من قطع الكل بحجية الاجماع فإن فساد هذه الدعوى مما لا يكاد يشتبه على الجهال فضلا عن غيرهم بل قد قيل إن أول من ألقى هذه الشبهة بين الناس واستخف قومه بها هو الثاني حيث رام ردع الخلق عن أهل الحق فلم يجد سبيلا إليه سواها فروى لهم أنه سمع من الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال لا تجتمع أمتي على الخطأ فأشار لهم إلى الاجتماع على أمير والبيعة معه وأنهم إذا فعلوا ذلك كانوا على الحق بذلك وعجل بذلك مخافة أن يفرغ صلوات الله عليه ومن كان معه من خواص الأمة من تغسيل الرسول وتجهيزه صلى الله عليه وآله ودفنه والصلاة عليه ويخلوا بمرامه فتركوا تشييع جنازة نبيهم والصلاة عليه وتفرقوا من حوله و سارعوا إلى عقد البيعة ونصب الأمير ثم قد وقع التشاجر بينهم هناك مما لا يخفى على من وقف على كتب الفريقين واطلع على الأحوال التي جرت في البين فإن زعموا أن الذين اجتمعوا على بيعة الأول كانوا قاطعين بحجية الاجماع ولو لتلك الرواية لقطعهم بصحة صدورها وبمراده منها فمجازفة واضحة إذ بعد تسليم وثاقة المجمعين وورعهم والتزامهم بعدم التخطي عن منهج الشريعة و خلوصهم من الدواعي النفسانية من حب الرئاسة والطمع في منصب الامارة أو بعض أهل الحق المنبعث من شقوتهم الذاتية وخبث فطرتهم الأصلية مع أن الكل ممنوع والآثار المنقولة سند واضح عليه فلم لا يجوز أن يكونوا قد عولوا على تلك الرواية من حيث كونها خبر آحاد وأنه حجة كما في سائر المسائل الشرعية وأن ظاهر اللفظ يقتضي ذلك فلا يعدل عنه من غير قرينة كيف لا وقد كان أكثرهم عواما همجا رعاعا وقد أنكر عليهم ذلك أولو الدراية والبصيرة التامة كعلي عليه السلام وسلمان وأبي ذر ومقداد فلم ينفع فيهم الانكار وأصروا على المعاندة والاستكبار حتى أنهم ألزموهم بها بالتحذير والتخويف ولو كان غرضهم عدم التخطي عن جادة الشريعة لما سلكوا هذه الطريقة الشنيعة مضافا إلى منكرات أخر صدرت منهم كغصب فدك ورد شهادة أهل العصمة وضرب عمار ونفي أبي ذر وطبخ المصاحف إلى غير ذلك مما يشهد به الرجوع إلى الكتب المعروفة و الاسفار المشهورة وأما من تأخر عنهم فإن صح قطعهم بحجية الاجماع فإنما هو قطع عما غايته إثبات الظن في حق من قبلهم مع قلة الواسطة وقرب العهد وبالجملة فليس لهم في تأصيل مذهبهم مستند إلا الاجماع ولا لهم دليل على حجية الاجماع يصلح للذكر إلا هذه الروايات المقدوحة سندا ودلالة لان كتبهم وطواميرهم مشحونة بذلك ولو كان لهم دليل أقوى ومستند أجلى لذكروه و انتصروا به إذ طال ما تشاجروا في تصحيح مذهبهم الفاسد وترويج طريقهم الكاسد فلم يزيدوا على ذلك شيئا يكون أقوى دلالة وأوضح إفادة ولقد أفرط بعض سفهاء هؤلاء القوم وسفلتهم فادعى الضرورة على حجية الاجماع والظاهر أنه لما ضاق عليه المجال وانقطع به طريق الاستدلال استراح بجعل الدعوى ضرورية خوفا من شناعة الالزام و محافظة على أساس دين آبائه وكبرائه من الانهدام وإلا ففساد هذه الدعوى في المقام مما لا يكاد يشتبه على أحد من الأنام واحتج منكروا الاجماع بوجوه سخيفة غير صالحة لان تذكر فالصفح عنها أولى وأجدر بقي في المقام مباحث مهمة لا بد من التنبيه عليها الأول ذهب بعض العامة إلى امتناع الاطلاع على الاجماع في غير زمن الصحابة نظرا إلى انتشار العلماء في أقطار الأرض وعدم إمكان الإحاطة بهم والوقوف على آرائهم وأما في زمن الصحابة فقد كان الاطلاع عليه ممكنا لقلة المسلمين واجتماعهم فكان الإحاطة بهم و بآرائهم متيسرة ورام باستثناء الصورة المذكورة تصحيح مذهبهم حيث إن مبناه على الاجماع واعترض عليه العلامة بأنا نجزم بالمسائل المجمع عليها جزما قطعيا ونعلم اتفاق الأمة عليها علما وجدانيا حصل بالتسامع وتظافر الاخبار عليه وأورد عليه في المعالم بأن مقصود ذلك القائل عدم إمكان الاطلاع على الاجماع ابتدأ من غير جهة النقل وما ذكر إنما يدل على حصول العلم به من طريق النقل كما يدل عليه كلامه أخيرا فلا ورود له عليه ورده بعض المعاصرين بأن مراد العلامة تظافر الاخبار على نقل كل فتوى من فتاوى العلماء لا على نقل الاجماع ومنشأ الغفلة إفراد الضمير المجرور في عليه أقول وفي كل من الرد والايراد والاعتراض مع أصل الدعوى نظرا ما في الرد فلانه مع كونه تعسفا في كلام العلامة من حيث تذكر الضمير مع تأنيث المرجع الذي ذكره مضافا إلى عدم سبق ذكره ضعيف لان العلم بالاجماع على تقديره أيضا يكون بالنقل غايته أن يكون النقل تفصيليا وإطلاق كلام المورد يتناول النقل التفصيلي و الاجمالي وأما في الايراد فلان مقصود القائل منع إمكان
(٢٥١)