الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٦١
ارتفع هذا الوهن وجاز التعويل على نقله وربما يكفي عدم الظن بالخلاف عن مساعدة الامارات الخارجة على صحته فإن بطلان طريق خاص بمجرده لا يوجب بطلان مؤداه مطلقا فتثبت في المقام فإنه من مزال الاقدام وأما ما تفصى به بعض المعاصرين عن الاشكال الأخير من أن طريق الشيخ لا ينحصر فيما ذكر فحيثما يدعي الاجماع فالظاهر أنه يريد به معناه المعروف وهو الاتفاق الكاشف دون المعنى الذي اصطلح عليه وإلا لنصب عليه قرينة لئلا يلزم التدليس فبمكان من الضعف والسقوط لان معنى الاجماع لا يختلف باختلاف الطرق الموصلة إليه حتى يلزم منه تعدد الاصطلاح فلا يريد الشيخ بالاجماع حيث يدعيه إلا معناه المعروف أعني الاتفاق الكاشف وإن كان مستند كشفه الطريق المذكور ولو سلم أن ذلك يوجب تعدد الاصطلاح في الاجماع فبعد ما صرح الشيخ باصطلاحه لا سبيل إلى تنزيل كلامه على مصطلح غيره ولزوم التدليس بعد التصريح به في عدة مواضع من عدته ممنوع بل قد نقل عنه في التمهيد وموضعين من العدة دعوى انحصار الوجه في حجية الاجماع والقطع بقول الامام في الغيبة في الوجه الذي ذكره وأبطل سائر وجوه حجيته فإن قيل إذا قال الثقة هذه المسألة إجماعية وجب تنزيله على المعنى الصحيح بحسب الواقع ما لم يتبين لدينا خلافه ولا عبرة باحتماله وإن ساعد عليه مذهب الناقل كما ينزل قول علماء الرجال في الجرح و التعديل على ثبوت الوصف بحسب الواقع ما لم يتبين خلافه وإن احتمل من حيث وقوع التشاجر في تعيين معنى العدالة والفسق وفي طريق إثباتهما بل قد يعلم بأن مذهب المعدل أو الجارح مخالف و مع ذلك يأخذ بظاهر تعديله أو جرحه وينزل على المعنى الواقعي حملا لقول المسلم العدل على المعنى الصحيح بقدر الامكان قلنا فرق بين المقامين فإن نقل الاجماع راجع إلى حكاية الاعتقاد وتحصيل ناقله القطع بقول المعصوم عليه السلام فحمله على المعنى الصحيح إنما يقتضي الحكم بثبوت ذلك الاعتقاد فيه بحسب الواقع ولا يقتضي الحكم بثبوت متعلقه من كونه قول المعصوم عليه السلام بخلاف الجرح والتعديل فإن مرجعه إلى نقل تحقق وصف في الراوي بحسب الواقع فحمله على المعنى الصحيح إنما يقتضي الحكم بثبوته في الواقع وهذا كما ترى بل التحقيق في الجواب أن التعويل على نقل الاجماع منوط بحصول الوثوق به أو بسلامته عما يوجب الوهن فيه فظاهر أن الأصل المذكور بمجرده مما لا يوجبه وكذا الحال في جرح الراوي وتعديله كما نبهنا عليه في محله واعلم أن القائل بحجية الاجماع المنقول من حيث كونه نقلا لقول المعصوم ربما يلزمه القول بحجية مطلق قطعيات كل مجتهد على آخر وإن لم يعبر عنها بالاجماع أو لم يكن طريق قطعه الاتفاق إذا حصل الوثوق بإصابته في قطعه أو تجرد عن أمارات الوهن لكن الوقوف على ذلك في كلام الأصحاب في غير ما عبر عنه بلفظ الاجماع بعيد جدا وكان هذا هو السر في عدم تعرضهم له و أما تصريحهم بقطعية الفتوى في بعض الموارد فالمراد به ما يقابل التردد في الاجتهاد ومرجعه إلى القطع بحسب ما يقتضيه الأدلة عنده لا القطع بقول المعصوم عليه السلام لا يقال إذا كان قطعيات المجتهد حجة وإن لم يعبر عنها بالاجماع فإن خص ذلك بما قطع به من حيث الواقع لزم عدم حجية الاجماعات المنقولة على الاحكام الظاهرية بل عدم حجيته ما يحتمل ذلك أيضا إلا أن يستظهر فيه منه القسم الأول وإن عمم لزم حجية كل فتوى من فتاوى مجتهد على آخر لقطعه بالنسبة إلى الظاهر لأنا نقول نختار القسم الأخير ونفرق بين القطع بالظاهر الذي بينه المعصوم في خصوص الواقعة وبين غيره وبعبارة أخرى نفرق بين ما إذا علم بثبوته في حق الكل حتى المجتهدين وبين ما إذا علم بثبوته في حقه وحق مقلديه فقط فالمراد حجية النوع الأول دون الأخير ثم اعلم أن نقل الاجماع ينحل إلى نقل الكاشف من الاتفاق المستكشف به عن قول المعصوم عليه السلام و إلى نقل المستكشف الذي هو قول المعصوم فالقائل بحجيته قائل بجواز التعويل على النقلين ومن قال بعدم حجيته قال بعدم جواز التعويل على أحدهما إذ يكفي في رفع المركب رفع أحد جزئيه ولا ريب في عدم جواز التعويل على نقل المنكشف على هذا القول وأما نقل الكاشف فقد ذهب بعض أصحاب هذا القول إلى جواز الاعتماد عليه وإن تجرد عن نقل المنكشف إذا كان بحيث لو صح وطابق الواقع لكشف لنا عن قول المعصوم أو عن وجود حجة فيلتئم قياس من صغرى نقلية ظنية وكبرى قطعية وجدانية فيكون النتيجة ظنية لا محالة ولا فرق بين نقل الكاشف بطريق الاجمال كقوله أجمع علماؤنا على كذا أو عليه كافة علماؤنا أو أهل العلم أو عند الأصحاب أو أصحابنا أو نحو ذلك أو بطريق التفصيل كان يحصيهم بأسمائهم أو المركب منهما كان يصرح باسم البعض ويذكر الباقين بعنوان مجمل واعلم أيضا أنه قد يعد مثل قولهم عند أصحابنا أو الأصحاب أو بلا خلاف أو اتفاقا ونحو ذلك إجماعا منقولا وهو بظاهره غير مستقيم لان مجرد الاتفاق أو عدم الخلاف لا يوجب القطع بقول المعصوم كما هو المعتبر في الاجماع اللهم إلا أن يسمى إجماعا باعتبار الكشف المنقول أو يعلم من طريقة الناقل اكتفاؤه في القطع والاستكشاف بذلك أو يستكشف بالتتبع في مظان كلماته أنه يريد بذلك نقل الاجماع تنبيهان الأول قد ذكرنا أن نقل الاجماع يكون بطريق الآحاد ويكون بطريق التواتر و لبعض المتأخرين على القسم الثاني إشكال وهو أن العبرة في الاجماع باتفاق الآراء وهو أمر غير محسوس فلا يقع التواتر فيه فإنهم قد اشترطوا فيه أن يكون الاخبار عن حس وأما الأقوال فهي و إن كانت محسوسة إلا أنها غير كاشفة عن الآراء كشفا قطعيا لتطرق احتمال الكذب والسهو والتقية إليها وفيه ما لا يخفى لان اشتراط الحس في التواتر ليس لاستلزام عدمه عدم حصول العلم به بل لعدم استلزامه حصوله به وسيأتي التنبيه عليه في مبحث التواتر وحينئذ فكما يمكن العلم باتفاق الكل على قول بملاحظة قيام القرائن الحالية الدالة على مطابقة أقوالهم لمعتقدهم كذلك يمكن العلم به بإخبار عدد يحصل بخبرهم العلم بصدور تلك الأقوال عنهم محفوفة بتلك القرائن وربما يكون
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»