الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٥٧
وضوح التدافع بين الأصلين بالنسبة إلى الواقع إلى غير ذلك مما لا حصر له وهذا عند التحقيق من قبيل مسألة واجدي المني في الثوب المشترك حيث يحكم عليهما بالطهارة لا من قبيل مسألة الإناءين المشتبه طاهرهما بالنجس حيث يحكم فيهما بوجوب التجنب لليقين الاجمالي وسيتضح وجهه مما تحققه في ذيل مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى احتج المجوزون أولا بما تقدم في المقام السابق من أن قضية اختلافهم في المسألة جواز العمل فيها بمؤدى الاجتهاد مطلقا وقد عرفت الجواب عنه وثانيا بأن الصحابة قالوا للام ثلث الباقي فيما إذا مات الزوج وخلف معها أبا وزوجة أو ماتت الزوجة وخلفت معها أبا وزوجا وقال ابن عباس لها ثلث الأصل في المقامين ثم أحدث ابن سيرين قولا ثالثا فقال لها ثلث الأصل في مسألة الزوج و ثلث الباقي في مسألة الزوجة وأحدث تابعي قولا رابعا فعكس الحكم ولو لم يجز ذلك لم يقع ولأنكروا عليهم والجواب أن المسألة المبحوث عنها لما كانت خلافية لم يكن في مخالفتهم وعدم إنكار غيرهم عليهم دليل على صحة مقالتهم كما في سائر المسائل الخلافية وثالثا بأن التفصيل لا يشتمل على مخالفة إجماع فإن قولنا بجواز الفسخ ببعض العيوب الخمسة دون بعض بعد الاتفاق على أنه يفسخ بكل واحد منها أو لا يفسخ بشئ منها موافقة لكل في شئ وقضية الأصل جواز ذلك واعترض عليه بأن من قال بالايجاب الكلي قال ببطلان السلب الجزئي ومن قال بالسلب الكلي قال ببطلان الايجاب الجزئي فالفريقان متفقان على بطلان المركب منهما ورد أولا بأنه لا صراحة في القول بالايجاب أو السلب الكليين على بطلان ما يقابله من الجزئيين وإنما دلالته عليه بالالتزام وضعفه ظاهر إذ لا يعتبر في حجية الاجماع كونه مصرحا به بدلالة المطابقة بل يكفي مجرد ثبوته فإن انعقاده على القولين مثلا يقتضي أن يكون أحدهما حقا وذلك يستلزم بطلان المركب لا محالة وثانيا بأنه لا تركيب هنا حقيقة فإن كلا من الجزأين مسألة برأسها اتفق للمفصل القول بهما من غير أن يعتبرهما بشرط التركيب وضعفه أيضا ظاهر لان ما ذكره المانع من التفصيل لا يبتني على تقدير أن يكون بينهما تركيب حقيقي بل يكفي التركيب الاعتباري فلا ينافي أن يكون كل منهما مسألة برأسها وثالثا بأن بطلان أحد الجزأين إنما يستلزم بطلان المركب من حيث كونه مركبا ولا يقتضي بطلان جميع أجزائه و ضعفه أيضا ظاهر لأنه إذا بطل أحد الجزأين فقد بطل القول بالتفصيل وهل هذا إلا ما عناه المانع بل التحقيق في الجواب يعرف مما أوردناه في تحقيق المذهب المختار ولعل مستند العلامة على تفصيله في النهاية هو أنهم إذا لم ينصوا على بطلان القول الثالث لم ينعقد إجماع على بطلانه بخلاف ما إذا نصوا عليه وضعفه ظاهر مما مر وحجته على ما فصله في تهذيبه أما على المنع فيما لو نصوا على عدم الفرق فبما مر وفيما لو اتحد طريق المسألتين اتحاد الطريق المقتضي لثبوت الحكم في المقامين ويشكل هذا على ظاهره بأن طريق المسألتين إذا كان عاما قابلا للتخصيص أو مطلقا قابلا للتقييد أو نحو ذلك فلا يلزم من الالتزام به في إحدى المسألتين أن يلتزم به في الأخرى لجواز أن يعارضه فيها ما يوجب سقوطه عن درجة الاعتبار اللهم إلا أن يجعل ذلك قادحا في اتحاد الدليل وأما على الجواز فيما عدا ذلك فانتفاء الاجماع ولزوم أن لا يجوز لمن قلد مجتهدا في أحد الحكمين أن يقلد آخر في الاخر وأنه باطل بالاتفاق و يمكن أن يقرر هذا ببيان آخر وهو أنه لو لم يجز ذلك لوجب على من وافق مجتهدا في حكم تفرد به أن يوافقه في جميع الأحكام و التالي باطل لما مر بيان الملازمة أن الاحكام الاخر إن وافقه الآخرون فيها فقد وافق الأول وإلا وجب عليه الرجوع إلى الأول لئلا يلزم خرق الاجماع المركب ويمكن الجواب عن هذا بأن المقلد ليس في وسعه الوقوف على موارد الاجماع غالبا وإلزامه بالتقليد في ذلك يؤدي إلى الحرج والضيق المنفيين عن الشريعة السمحة لكثرة المسائل المحتاج إليها وتعيين تقليد مجتهد واحد عليه إلا فيما علم عدم خرق الاجماع بتقليد غيره فيه باطل بالاتفاق كما مر وحينئذ فعدم الاعتداد به في حق المقلد لا يوجب الاعتداد به في حق المجتهد ويمكن أن يقال الاحكام الثابتة بالتقليد أحكام ظاهرية فلا حرج في الجمع بين جملة يقطع بمخالفة بعضها للواقع كما عرفت نظيره في الاخذ بمقتضى الأصول المتنافية فصل إذا اتفقت الأمة على قولين مثلا ولم يقم هناك ما يقتضي التعيين سواء لم يكن هناك دليل أصلا أو كان ولكن لم يسلم من المعارض تخير المجتهد في العمل بأيهما شاء وفاقا للشيخ وجماعة وقيل يسقطهما ويرجع إلى حكم الأصل من إباحة أو حظر على اختلاف القولين وربما كان الأوجه على هذا القول التماس دليل يقتضي تعيين ما عداهما ويرجع [والرجوع] بعد انتفائه إلى حكم العقل وكيف كان فهو مدفوع بما ذكره الشيخ من أن ذلك يوجب طرح قول الإمام فيكون خطأ قطعا نعم ينبغي تنزيله على بعض صور الاجماع كما يعرف مما مر وأورد عليه المحقق بأن التخيير أيضا خارج عما اتفقت عليه الأمة فالبناء عليه أيضا يوجب طرح قول الإمام وارتضاه في المعالم بعد ما حكاه وضعفه ظاهر لان التخيير في الفتوى لا ينافي التعيين في الحكم المفتى به كما هو مفاد الاجماع بل هو طريق إلى تحصيله كما في التخيير في العمل بأحد الخبرين المتكافئين وقس على ذلك الحال في الاجماع المركب من مسألتين إذا قام على أحد شطري إحداهما دليل وعلى الاخر من الأخرى وتكافئا أو تجردت المسألتان عن الدليل يجوز الاجماع بعد الخلاف وقبل استقراره قولا واحدا وبعد استقراره عند أصحابنا وعليه محققو مخالفينا ولا فرق في ذلك بين الاجماع البسيط و المركب ووجه الجواز ظاهر وهو أن أحد المتخاصمين ربما يظفر بما يقتضي عنده فساد مقالته وصحة مقالة خصمه فيرجع إلى قوله و احتج المانعون أولا بقوله تعالى فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله و الرسول يعني الكتاب والسنة والاجماع غيرهما وجوابه أما على طريقتنا فواضح لان الرد إلى الاجماع رد إلى
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»